فنقول : قول العادل قبل هذا الجعل لم يكن حجّة وسببا للآثار المذكورة ، وما كان كذلك لا يعقل إعطاء السببيّة إيّاه.
ومحصّل الكلام أنّه قد يقال : إنّه بتوسّط الوضع والقرار على أنّه متى أراد من العبد الفعل الفلاني يقول كذا أو يفعل كذا ، فيصر أمارة وعلامة على إرادته ، فيعرض عليه وصف الحجيّة قهرا ، فهذا ليس من باب جعل الحجيّة أوّلا ، نعم هو فعل يعرض عليه عنوان ثانوي قهرا هو جعل الحجيّة وهذا هو الحال في حجيّة الظواهر ، فإنّ متعلّق الجعل أوّلا ليس هو الحجيّة ، بل ينجعل بتركه الوضع ، وقد يقال : إنّ العنوان الأوّلي جعل الحجيّة بدون توسيط أمر آخر.
فنقول : لا يتعقّل من الحجيّة إلّا معذوريّة العبد واستحقاقه اللذان هما وصفان للعبد أو المصححيّة للعقاب والمعذريّة اللذان هما وصفان لخبر الثقة مثلا ، وشيء منهما غير قابل للجعل بهذا النحو ، فإنّ العبد إمّا معذور وإمّا لا ، وإمّا مستحقّ وإمّا لا ، ولا يمكن تكوين المعذوريّة أو عدمها فيه ، وكذا في المصححيّة والمعذريّة ، وإن اريد معنى آخر فلا نتعقّله.
فالحقّ ما ذكره شيخنا المرتضى من أنّه لا معنى لجعل الحجيّة إلّا جعل الأحكام التي هي مفاد خبر العادل مثلا ، فمعنى حجيّة خبره ليس إلّا وجوب العمل على طبقه ولزوم اتّباعه ، ومعنى هذا إنشاء الحكم الذي هو المخبر عنه في خبره ، وكيف كان فإن قلنا بقابليّة الحجيّة للجعل وإن قلنا بعدم قابليّة مطلق السببيّة له ، وقلنا أيضا بأنّ لزوم الاتّباع حكم عقلي يحكم به العقل بعد جعل الحجيّة ، فليس الحاكم به الشرع وعلى فرضه يكون ارشاديا ، نظير أوامر الإطاعة في الأوامر فلا يلزم اجتماع حكمين ، بل اللازم إنشاء حكم وحجيّة ، وشأن الحجّة أن يصادف تارة ويخالف اخرى ، فهذا محذور غير لازم.
وأمّا تفويت المصلحة أو الإلقاء في المفسدة فهو غير محذور ؛ إذ نلتزم بوجود مصلحة اخرى يتدارك بها المصلحة الفائتة أو المفسدة الواقعة فيها.