والوجه الثاني (١) : أنّه لو قلنا بقبول الحجيّة للجعل وأنّ لازم جعلها جعل لزوم الاتباع الراجع إلى جعل الحكم الذي أفاده الأمارة ، أو قلنا بأنّ الحجيّة غير قابلة للجعل ، ومعنى جعلها جعل وجوب العمل ولزوم الاتّباع ، كما قاله شيخنا المتقدّم قدسسره فاجتماع الحكمين وإن كان يلزم ، إلّا أنّهما غير متضادّين ولا متماثلين ، وذلك لأنّ الاحكام الواقعيّة ناشئة عن مصالح أو مفاسد في التعليقات ، والحكم الظاهري ناش عن مصلحة في نفس إنشائه ، نظير الأمر الامتحاني.
وبعبارة اخرى : تضادّ الحكمين إنّما هو من باب تضادّ منشئهما في نفس الحاكم بأن يكون الإيجاب عن إرادة الفعل والحبّ به ، والتحريم عن كراهته وبغضه ، فلا محالة لا يمكن اجتماعهما في محلّ يمكن وجودهما مثلا لنفس النبويّة والولويّة ، وهذا بخلاف ما إذا كان منشأ أحدهما إرادة الفعل أو كراهته ، ومنشأ الآخر إرادة نفس الإنشاء.
وتوضيح المقام أنّ الحكم الطريقي بحسب ما يقتضيه الارتكاز يكون عبارة عن حكم لا ملاك في موضوعه ، فإنّ العنوان مشير صرف لا موضوعيّة فيه أصلا ، بمعنى أنّه لا يحصل غرضا مستقلا غير الأغراض الواقعيّة وليس مقدّمة لوجود تلك الأغراض أيضا ، فينحصر أن يكون الملاك منحصرا في الواقع ، وهذا الحكم يكون عن ملاك في نفسه ، ثمّ مقتضى طريقيته أنّه إن صادف الواقع يصير عينه لا مغايرا له مثله حتى يلزم اجتماع المثلين ، وهذا معنى جدّيّته عند المصادفة.
ولو خالف الواقع يصير إنشاء صرفا ليس موضوعا لوجوب الامتثال عقلا ، وهذا معنى صوريّته عند عدم الإصابة ، ومن المعلوم أنّ الإنشاء الصرف وبعبارة اخرى الطلب الإيقاعي الذي هو الموضوع له لصيغة «افعل» بمذاق هذا المحقّق الجليل قدسسره لا منافاة بينه وبين الطلب الحقيقي المتعلّق بضدّ متعلّقه.
والترخيص المشتمل عليه هذا الطلب الانشائي أيضا ترخيص إنشائي لا حقيقي
__________________
(١) أي الوجه الثاني الذي ذكره المحقق الخراساني قدسسره.