المخاطب ظانّا بالنفع في الثاني والضرر في الأوّل فإنّه لا يتّبع في المقامين إلّا ظنّ نفسه.
فلو أمر المولى أحد عبيده بأمر وكان بعض عبيده الآخر يسمع كلام المولى وعلم أنّه يشترك جميع العبيد في الحكم فترك هذا العبد الغير المواجه العمل بظاهر كلام المولى ليس للمولى إذا علم بسماعه عقابه.
وبالجملة ، فالمدّعى حجيّة الظهور عند الشكّ في وجود القرينة من غير تقييد بالظّن بالوفاق ولا بعدم الظّن بالخلاف ، ومن غير فرق بين من قصد إفهامه ومن لم يقصد ، والدليل في الجميع هو سيرة العقلاء على العمل بالظهور في الموارد المذكورة ، ثمّ بضميمة عدم ردع الشارع يصير حجّة شرعيّة ، فلا بدّ لإثبات المرام من إثبات مطلبين ، الأوّل : وجود السيرة المذكورة ، والثاني : عدم ردع الشارع.
أمّا الأوّل فنقول : يمكن لنا إثبات الدعاوي الثلاث بالمرتكز في طبعنا ؛ فإنّ العقلاء يأخذون بالظواهر حجّة لهم وعليهم ، فربّما كان حجّة للمتكلّم على المخاطب فيؤاخذ المتكلّم المخاطب محتجّا بأنّه : أما قلت لك كذا؟ وربّما يكون حجّة للمخاطب على المتكلّم فيؤاخذ المخاطب المتكلّم محتجّا بأنّه ألم تقل كذا؟ ، ولا نعني بالحجيّة هنا إلّا ذلك أعني صحّة المؤاخذة والاحتجاج لا الكشف عن الواقعيات ، فلا يرد أنّ الأخذ بالشكّ في مقام الواقع بل بالوهم مقامه ليس من طريقة جاهل فضلا عن عاقل ، فكيف يمكن الحجيّة مع عدم الظّن بالوفاق ، بل مع الظّن بالخلاف.
فنقول مثبتا لسيرة العقلاء في كلّ من المقامات الثلاثة على الترتيب موضحا بالتمثيل : لو قال مولى لعبده : أضف جميع طلّاب البلد ، فاحتمل العبد عدم إرادة المولى واحدا معيّنا منهم ، لما شاهد من عدم معاملة المولى مع هذا الواحد معاملة المحبّة فلأجل هذا الاحتمال لم يخبره بالضيافة ، فإذا حضر الجميع إلّا هذا الواحد فلم ير المولى إيّاه فيما بينهم ، فهل ترى من وجدانك وطبعك مانعا من صحّة مؤاخذة العبد بأنّه لم ما أخبرت الشخص الفلاني ، ولو اعتذر العبد بأنّه ما ظننت من قولك إرادته هل يصحّ جوابه بأنّ الأمر لو كان كذلك لقلت : إلّا فلان ، فهذا الذي فعلت فعلته من جانب نفسك ، أو لا يصحّ.