لكن هذا كما ترى إنّما يناسب مع المضيّ كما مثّلنا وهو خلاف الموجود في الآية ، فإنّ الشرط فيها يكون مسوقا للاستقبال ، فلا يناسب إلّا مع الطبيعة ، ضرورة أنّه لا يصحّ التعبير ب (يجيء) في النبأ الشخصي الخارجي ، وإنّما الصحيح هو التعبير ب (جاء) على معنى المضىّ ، نعم التعبير ب (يجيء) يناسب الطبيعة ، فيقال : طبيعة النبأ إمّا يجيء بها العادل وإمّا يجيء بها الفاسق ، كما يناسبها التعبير بالمضيّ أيضا ، ولا يخفى أنّ كلمة (جاءكم) في الآية يكون بمعنى الاستقبال.
والحاصل : الفرد الموجود في الخارج فعلا ، أو الذي وجد وانعدم في الأوصاف التي تكون من نحو وجوده ، مثل الرجوليّة والانوثيّة في الإنسان ، ولا محالة يكون قابليّته لأمرين منها على نحو الترديد ، يكون التعبير الصحيح في مثل ذلك بالمضيّ فقط ، مثلا يقال : هذا الشخص إمّا وجد رجلا وإمّا امرأة ، ولا يصح إمّا يوجد.
وكذا في الفارسيّة يقال : يا مرد است يا زن است ، ولا يقال : يا مرد مى شود يا زن، بخلاف الأوصاف العرضيّة التي يعتور اثنان منها على فرد واحد في حالين مثل العلم والجهل ، فالتعبير بالاستقبال حينئذ صحيح ، فيقال : الزيد إن كان يصير عالما فكذا ، وفي الفارسيّة أيضا يصحّ التعبير بأنّه «اگر عالم شود چنين» ومن هذا القبيل قضيّة «إذا بلغ الماء قدر كر».
وأمّا الفرد الذي لم يوجد بعد ويوجد في المستقبل ففرديّته موقوفة على لحاظ الفراغ عن وجوده ورؤيته موجودا في الخارج كأنّه المحسوس والمشاهد بالعين ، ولو لم يلاحظ كذلك فكلّ ما زيد القيد على القيد لا يصير جزئيّا ، بل كليّا مضيّقا ، فالتعبير بالاستقبال حينئذ وإن كان صحيحا لكن حاله حال الكلّي ، كما يقال : النبأ الذي يوجد في ما بعد إمّا يجيئه العادل وإمّا يجيئه الفاسق.
وأمّا لو لوحظ على نحو الفراغ عن الوجود فحاله حال الموجود الفعلي أو الماضوي في أنّ التعبير بالاستقبال فيه غلط ، فلا يصحّ أن يقال في هذا اللحاظ بالفارسيّة مثلا : مردى كه فردا موجود مى شود يا مرد موجود مى شود يا زن ، بل