وهنا صورة ثالثة يظهر حكمها ممّا تقدّم ، وهى ما إذا كان الأخبار نافية للتكليف والاصول مثبتة له ، فإنّه يعمل بالأصل في جميع موارده ، غاية ما يلزم التزام ترك مباح أو فعله وهو ليس بمحذور ، وهو من قبيل إجراء استصحاب النجاسة في الإنائين المشتبهين مع العلم بطهارة إحداهما.
هذا ملخّص الكلام في حكم الاصول ، وعلم أنّ الدليل المذكور لا يفى بما هو المقصود من حجيّة الخبر التي معناها عدم الاعتناء بالأصل في مقابله أصلا للحكومة أو الورود ، وإنّما يثبت بسببه وجوب العمل بالأخبار من باب العلم الإجمالى من دون كونها حجّة ، فيجري الأصل في مقابله على ما تقدّم من التفصيل ، ومحصّله لزوم العلم بالأصل مثبتا كان أم نافيا لو لم يكن علم إجمالي بمخالفته للواقع بالعلم إجمالا بمطابقة ما في قباله من الأخبار له ، وأمّا مع هذا العلم فالمتعيّن التفصيل بين الصور الثلاثة.
فإن قلت : كيف يمكن إجراء الأصل مع احتمال وجود الخبر الحجّة في مورده ومعه مورود أو محكوم؟.
قلت : المفروض نفي العلم بالصدور أعني صدور مضمون بعض الأخبار في موارد الاصول للواقع ، وأين هو من العلم بالحجيّة.
فإن قلت : نعم ، لكن ظاهر لفظ الخبر الصادر حجّة وبه يتمّ المطلوب.
قلت : مضافا إلى أنّ الكلام من حيث الصدور لا الظهور ليس حال الحجّة إلّا كحال نفس الواقع ، فكما أنّ نفس الواقع إنّما ينافي الأصل بوجوده الواصل لا بوجوده الواقعي ، كذلك الحجّة أيضا لا تصير حاكمة أو واردة بوجودها الواقعي حتى يكون الأصل حكما ظاهريّا في حكم ظاهري ، بل مجراه نفس الواقع ، فلا يوجب الحكومة أو الورود إلّا الوجود الواصل للحجّة ، والوصول أيضا لا بدّ أن يكون على نحو العلم التفصيلي ، وأمّا الإجمالي فحسب الفرض لا يضرّ وصول نفس الواقع بهذا النحو لجريان الأصل ، فكيف بالحجّة وإلّا يلزم زيادة الفرع على الأصل.