على نفسه ضررا وفرض له الداعي العقلائي لئلا يلزم اللغوية فيلزم القبح من هذه الجهة ، مثل أن يقتل نفسه بداعي أن يستريح من هموم الدنيا ، فهل هو في نظر العقل علاوة على الضرر الذي أوقع نفسه فيه مستحقّ لعقوبة على نفس فعله الذي هو الإيقاع ، لكونه فعل فعلا قبيحا ، كما لو أقدم على الظلم؟ من المعلوم عدم ذلك.
حتى أنّ الحال ذلك في الضرر الاخروي أيضا ، كما لو علم بأنّ الفعل الفلاني موجب لدخول النار ، فليس في نظر العقل في إقدامه إلّا الدخول في النار ، ولا يحكم بدخوله في نارين أحدهما بقطعه ، والاخرى لإقدامه على عمل قبيح وهو إيقاع نفسه في النار ، وتوضيح ذلك كمال الإيضاح مشاركة الحيوانات للإنسان في دفع الضرر عن النفس ، فإنّه يعلم أنّه ليس مبناه اللزوم العقلي المبتني على الحسن والقبح ، بل لأجل جبلّة النفوس على حبّ النفس الباعث على تجنّب الضرر ، وإلّا فليس حفظ الكلب مثلا نفسه عن الوقوع في البئر لأجل خوفه صدور أمر قبيح منه.
فإذا لم يكن مبنى دفع الضرر الحسن والقبح العقليين فليس له وجوب عقلي ، فالتعبير بأنّ دفع الضرر لازم بحكم العقل مسامحة ، والحقّ أنّ الضرر لا يتحمّله الطباع ويفرّون منه بالفطرة والجبلّة ، فالمتحقّق عدم الصدور وعدم الارتكاب دائما لا الوجوب العقلي ، فتحقّق أنّه ليس هنا حكم عقلي حتى يكون مستلزما للشرعي أو موجبا لصحّة العقاب ، هذا كلّه مع قطع النظر عن عمومات حرمة الضرر بحسب الشرع وملاحظة حكم العقل محضا.
وأمّا العمومات المذكورة فهي أيضا غير شاملة للمقام ، وذلك لأنّ الحكم فيها مرتّب على موضوع الضرر يعنى ما يسمّى عرفا ضررا وإلقاء في التهلكة ، مثل شرب السمّ ونحو ذلك ، أمّا مثل المقام ممّا لا يلتفت إلى ضرريّته إلّا أهل المعقول بالدقّة العقليّة ـ فإنّ الضرر الاخروي منتف بالفرض ، كما بيّن في الجواب على التقدير الأوّل ، وأمّا الضرر الكامن في نفس الفعل أو الترك وهو المفسدة فهو غير ملتفت إليه لعامّة أهل العرف ـ فلا يكون النهي عن إلقاء النفس في الضرر شاملا لمثل