هذا الفرد ، فثبت من جميع ما ذكرنا منع الكبرى في المقام عقلا وشرعا.
وثانيا : نمنع الصغرى وبيانه أنّا سلّمنا مقالة المشهور من أنّ الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد في بعض المتعلّقات ، دون الإنشاء والجعل كما هو مقالة آخرين ، لكن نقول مع ذلك : إنّ المفسدة في نفس المتعلّق لا يلزم أن يكون شخصيّة راجعة إلى شخص المقدم ، بل يمكن كونه نوعيّة راجعة ضرره إلى النوع ، مثل وجوب الجهاد والدفاع في مقابل الكفّار ، فإنّ عدم الإقدام عليه ربّما لا يكون فيه مفسدة على شخص التارك ، بل فيه مصلحة له من سلامة بدنه ، ولكن فيه مفسدة النوع وهو إضرار الكفّار وتسلّطهم على النوع ، فحينئذ لم يلزم من ترك الواجب الوقوع في المفسدة.
نعم يصحّ ذلك في مثل شرب الخمر ممّا يعود ضرره إلى شخص الفاعل ؛ فإنّ فيه ضرر قساوة قلب الشارب ، وبالجملة ، فالصغرى بكليّتها ممنوعة ، يعني ليس كلّما ظنّ بالتكليف حصل الظن بالضرر الدنيوي على النفس.
هذا مضافا إلى وضوح الفرق بين المفسدة والضرر والمصلحة والنفع ، فإنّ المصلحة ليست إلّا عبارة عن كون العمل في نظر العقل راجحا ، والمفسدة ليست إلّا عبارة عن كونه في نظره مرجوها.
وبعبارة اخرى : الاولى عبارة عن استحسان العقل ، والثانية عن اشمئزازه ، ولا ملازمة بين الاولى وبين النفع ، ولا بين الثانية وبين الضرر ، بل ربّما يشتمل ذو المصلحة على الضرر كالإحسان ويشتمل ذو المفسدة على النفع كالظلم ونهب مال الناس ، ووجه ذلك أنّه ليست المصلحة ولا المفسدة في الشيء معلّلة بعلّة وإلّا لتسلسل ، بل لا بدّ من انتهاء الأمر إلى نفس استحسان العقل أو نفس اشمئزازه ، فليست المصلحة لأجل النفع ، ولا المفسدة لأجل الضرر ، بل هما أمران ذاتيان قد يجامع أوّلهما مع الضرر وثانيهما مع النفع ، فظهر ما في دعوى المستدلّ من أنّ الظنّ بالمفسدة ظنّ بالضرر.