قوله : فلا تصلح القاعدة ـ إلى قوله : ولا احتمال بعد حكم العقل بقبح العقاب من غير بيان (١).
قد جعل المصنف (رحمهالله) هذا الكلام تتمة لما أجاب عن الاعتراض من أن قاعدة دفع الضرر قاعدة ظاهرية ، والأولى جعله جوابا مستقلا وهو حق الجواب ، تقريره : أنا لا نحتمل الضرر في مورد مسألتنا بعد حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان حتى يعارض بقاعدة دفع الضرر المحتمل لعدم موضوعه وهو احتمال الضرر.
لا يقال : إنّ جريان كل من القاعدتين رافع لموضوع الأخرى ، ولا وجه لترجيح تقديم جريان القاعدة الأولى لارتفاع موضوع القاعدة الثانية فإنّه ليس بأولى من العكس ، فالتعارض بعد بحاله.
لأنّا نقول : إنّ التعارض في الأحكام العقلية غير معقول للزوم التناقض واقعا ، وإنّما يقع التعارض في الأحكام الشرعية بملاحظة أدلّتها المعهودة التي لا يتميّز عند العقل صحيحها من سقيمها وحقّها من باطلها ، فيتعارض فردان من الدليل الكذائي لتساويهما من حيث دليليتهما الظاهرية وتصادقهما في موضوع واحد بحسب ما يظهر لنا من موضوع الدليلين ، وهذا بخلاف الأدلة العقلية فإنّ موضوعاتها ممتازة لا يمكن صدق موضوع حكمين منها على أمر واحد كي يحصل التعارض ، بل المورد إما من مصاديق هذا الحكم دون ذاك أو من مصاديق ذاك دون هذا ، وما يتخيّل من التصادق كما فيما نحن فيه إنّما هو بالنظر الجلي وأما بالنظر الدقيق فيعرف دخوله في أحدهما وخروجه عن الآخر.
ففيما نحن فيه نقول : إنّ العقل بعد دقة النظر يحكم بأنّ المشتبه بالشبهة
__________________
(١) فرائد الأصول ٢ : ٥٧.