الموضوعية التي لا يمكن معرفتها إلّا بتشخيص الشارع وتعيينه فهو ملحق بالشبهة الحكمية ، فيجب على الشارع الحكيم البيان كنفس الأحكام من غير تفاوت ، ففيما نحن فيه تقتضي الحكمة البالغة بيان ما فيه المضرة الدنيوية التي لا يدركها العقول فضلا عن المضرة الأخروية ، فلمّا لم يبيّنها بالفرض يحكم العقل بعدم ترتبها وإلّا لزم الإخلال بالحكمة القبيح ، كيف ولو كان الحكم بالبراءة مسلما عند الأخباريين في مثل هذه الشبهة الموضوعية لم يحتج الأصولي إلى إتعاب النفس في جوابه بهذا البحث الطويل الذيل ، بل كان له أن يجيب بكلمة واحدة وهي أنّ مسألة شرب التتن من الشبهات الموضوعية فلا يجب فيها الاحتياط ، لأنّا قد علمنا بالعقل والنقل أنّ المحرمات الواقعية يجب تركها وإنما الشك في أنّ شرب التتن هل هو من المحرمات الواقعية أم لا ، فالشبهة فيه موضوعية ومجرى للبراءة بالاتفاق ، وأيضا كلمات الأخباريين وأدلّتهم على البراءة في الشبهة الموضوعية لا تساعد على أن تشمل مثل هذه الشبهة الموضوعية.
ومن الكلمات الصريحة في عدم إرادة مثل هذه الشبهة من الشبهة الموضوعية كلام المحدّث البحراني في الحدائق (١) وسينقله الماتن في الشبهة الموضوعية في أول تنبيهات المسألة ، فإنّه قال في ذيل كلام طويل لبيان الفرق بين الشبهة الحكمية والموضوعية وأنّ الاولى مجرى للاحتياط والثانية مجرى للبراءة قال : ومنها أن الشبهة في نفس الحكم يسأل عنها الإمام (عليهالسلام) بخلاف الشبهة في طريق الحكم يعني الشبهة الموضوعية لعدم وجوب السؤال عنه (عليهالسلام) ، بل علمهم (عليهمالسلام) بجميع أفراده غير معلوم أو معلوم
__________________
(١) [الظاهر أنه من سهو القلم ، إذ الذي ينقل عنه المصنف في فرائد الأصول ٢ : ١٣٣ هو الحر العاملي].