العدم لأنّه من علم الغيب فلا يعلمه إلّا الله وإن كانوا يعلمون منه ما يحتاجون إليه وإذا شاءوا أن يعلموا شيئا علموه (١) انتهى موضع الحاجة فتدبّر.
وربما يتفطّن هاهنا لورود إشكال على القائل بالبراءة مطلقا حتى في الشبهة الوجوبية بل الموضوعية ، وينبغي للفطن الخبير أن يعرف جوابه مما ذكرنا وسنشير إليه توضيحا.
أما الإشكال فهو أن يقال : إنّ قاعدة البراءة تنافي ما تقرّر من مذهب العدلية في أنّ الأحكام الشرعية تابعة للمصالح والمفاسد النفس الأمرية ، لأنّ قاعدة البراءة إنما تنفي العقاب على الفعل أي العذاب الذي يستحقه العبد بمخالفته للتكاليف المعلومة ، ويجوز أن يتحقق ذلك العذاب في الآخرة بعدله تعالى ويجوز أن يعفو عنه بفضله تعالى. وأما المفاسد الكامنة في الشيء الذاتية النفس الأمرية كما في المحرّمات وفوات المصالح الملزمة النفس الأمرية كما في الواجبات التي لا يتوقّف ترتّبها على العلم لأنّها ذاتية لا يتفاوت فيها العلم والجهل ، فلا ريب أنّ العقل لا يأمن منها في موارد الشبهة ويحتملها ، فيجب بحكم العقل المستقل دفعها بالعمل بما يكون مأمونا من الوقوع في تلك المفاسد ، ولا يكون ذلك إلّا بالاحتياط ، نعم لو ثبت في الشرع عدم وجوب الاحتياط في شيء منها بالخصوص علمنا من ذلك أنّ الله تعالى يتدارك تلك المفسدة بشيء يعلمه ، وأما فيما لم يثبت ذلك فلا مفرّ من الاحتياط بحكم العقل.
فإن قلت : إنما يتم هذا الإشكال على القول بأنّ حسن التكليف تابع لحسن المأمور به والمنهي عنه كما يسند إلى المشهور ، وأما على القول بتبعيته لحسن الأمر والنهي كما هو مختار صاحب الفصول فلا يلزم أن يكون نفس
__________________
(١) الفوائد الطوسية : ٥١٩ ـ ٥٢٠.