الثاني : أنّه في القسم الأول يستقلّ العقل بلزوم موافقة النهي حتى يعلم من الشرع الترخيص والإذن بجواز المخالفة ، وهذا بخلاف مسألة ما لا نصّ فيه إذ لا نهي فيه.
وفيه : أنه إنّما يتمّ لو كان وجود النهي مطلقا مقتضيا للحرمة وكان الترخيص مانعا عنها ، وليس كذلك بل الشكّ حاصل في أنّ هذا النهي هل يقتضي الحرمة أم لا.
الثالث : أنّه في القسمين الأخيرين امتثال النهي عن الغناء وشرب الخمر لا يحصل إلّا بالاجتناب عن الأفراد المشكوكة منهما أيضا. وبعبارة أخرى لا يحصل امتثال النهي عن طبيعة الغناء وشرب طبيعة الخمر بالاجتناب عن الأفراد المتيقّنة فقط بل لا بدّ من الاجتناب عن الأفراد المشكوك فيها ، فلا يحصل العلم بالامتثال إلّا بالاجتناب عن الجميع والاحتياط في الكل ، وهذا بخلاف مسألة ما لا نص فيه إذ لا خطاب معلوما بالفرض حتى يجب امتثاله.
وفيه : أنّ ذلك إنّما يتم لو كان المطلوب بالنهي ترك مجموع أفراد المنهي عنه من حيث المجموع بحيث لو لم يترك فردا واحدا منه لم يحصل موافقة النهي بالمرة ، وحينئذ لا يحصل العلم بالامتثال إلّا بالاحتياط بترك كل ما يحتمل أنه مطلوب بالنهي ، ولازم ذلك وجوب الاحتياط في الشبهات الموضوعية أيضا بعين هذا التقرير كما لا يخفى.
لكن هذا الوجه خلاف التحقيق في مدلول النهي ، بل التحقيق أنّ أفراد المنهي عنه مطلوب الترك على نحو العموم الأفرادي بحيث لو ترك بعض الأفراد حصل الامتثال بالنسبة إليه وإن عصى بفرد آخر نظير ما لو قال : أكرم العلماء فإن أكرم بعض العلماء دون بعض يحصل الامتثال بإكرام البعض الأول والمخالفة