أيضا دلّ على جواز المخالفة القطعية وإلّا كان مفاد الرواية جواز ارتكاب كل من الأطراف في الجملة والقدر المتيقّن منه ارتكاب كلّ مع ترك الباقي ، وهذا لا يفيد إلّا جواز المخالفة الاحتمالية وعدم وجوب الموافقة القطعية.
وفيه أوّلا : النقض بالشبهة البدوية بل بجميع العمومات ، فإنّ ارتكاب كلّ إناء مشكوك الحرمة بالشبهة البدوية له حالتان ارتكابه مع ارتكاب سائر الشبهات البدوية أو بدونها ، فلو لم يكن هناك عموم أحوالي فالقدر المتيقّن ارتكابه مع عدم ارتكاب الباقي وهو كما ترى.
وثانيا : أنّ ما ذكره يرجع إلى منع العموم الأفرادي ، ضرورة عدم جواز ارتكاب كلّ فرد إلّا مع ترك الآخر ، اللهمّ إلّا أن يرجع إلى العموم البدلي وهو أيضا خلاف ظاهر لفظ العموم.
وثالثا : أنّ منع العموم الأحوالي بمعنى الإطلاق لا وجه له ، ألا ترى أنّه لو قال : أكرم العلماء يدل على وجوب إكرام كل عالم ماشيا كان أو راكبا قائما أو قاعدا في السوق أو في المسجد إلى غير ذلك من الأحوال ، وهذا مما لا شك فيه ولا شبهة تعتريه.
قوله : فيقبح من الجاعل جعل كلا الحكمين (١).
قد عدل الماتن هنا عما أفاده في غير موضع من أنّ جعل الترخيص الظاهري في كلا المشتبهين مع بقاء الحكم الواقعي بواقعيته مستلزم للتناقض ، وكأنّه هنا قد سلّم عدم التناقض وتشبّث بذيل القبح من الجاعل جعل هذين الحكمين الكذائيين ، ودفعه أسهل شيء فإنّه لو كان هناك مصلحة ما كالتوسعة
__________________
(١) فرائد الأصول ٢ : ٢٠٣.