منه بمراتب بخلاف الخاص فإنّه لا يقدّم على العام إلّا إذا كان أقوى دلالة من العام.
وفيه : أيضا نظر ، لأنّا لو فرضنا أنّ الدليل الحاكم كان عاما قابلا للتخصيص من حيث مدلوله التفسيري كالمحكوم فلا وجه لتقديمه إلّا من حيث قوة الدلالة كما هو كذلك في قوله تعالى : (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)(١) الحاكم على أدلة الأحكام بالفرض ، فإنّه قابل لأن يخصص ويقال إلّا الحج ، وحينئذ لو فرض أنّ عموم دليل وجوب الحج كان أقوى بالنسبة إلى شموله لأفراده الحرجية لغلبتها مثلا من عموم دليل رفع الحرج حتى بملاحظة كونه ناظرا إلى الأدلة كان مقدّما البتّة ، بل نقول إنّ جهة كون الدليل الحاكم ناظرا إلى المحكوم تابع لمدلوله الذي هو بيان أصل الحكم ، فإن كان أصل الحكم عاما فنظره أيضا كذلك ، وإن كان خاصّا فهو أيضا خاص ، فإن كان المحكوم أقوى دلالة من الحاكم بحسب أصل الحكم فيقدّم على مدلول الدليل الحاكم وتتبعه جهة ناظرية الحاكم يعني أنه ناظر بمقدار مدلوله عاما أو خاصا ، وقد تقدّم بيان هذا المطلب عند تعرّضنا لقاعدة الحرج ببيان أوفى في ثالث مقدّمات دليل الانسداد فراجع.
ثم إنّ الحاكم قد يكون أخصّ مطلقا من المحكوم فيكون تقديمه على المحكوم من وجهين كونه خاصا وكونه حاكما كما لو قال : أكرم العلماء ، وقال : لا تكرم فسّاقهم ونحو ذلك ، ويثمر ذلك فيما لو لم تكن جهة الحكومة لم تكن أخصّيته منشأ للتقديم وذلك كما لو قال : أكرم العلماء وقال : لا تكرم زيدا وتردد زيد بين زيد العالم وزيد الجاهل وعلم من السياق أو غيره أنه بصدد شرح العامّ
__________________
(١) الحج ٢٢ : ٧٨.