الثاني : أن يقال بالتزام إطلاق أدلة حجية الأدلة بالنسبة إلى الآثار العقلية والعادية أيضا كالشرعية ، وبيان ذلك يحتاج إلى تمهيد مقدمة ، وهي أنّ المصنف يقول بعدم حجية الأصول المثبتة من جهة عدم المعقولية ، لأنّ الآثار العقلية والعادية من حيث هما هما غير قابلة للجعل ، وأما الآثار الشرعية المترتبة عليهما بواسطة أو بوسائط فإنّها أيضا لا يمكن ترتيبها ، لأنّها إن ترتّبت بدون ثبوت موضوعها فإنّه لا يمكن ، وإن أريد ترتّبها مع إثبات موضوعها فقد عرفت أنّ الآثار غير الشرعية التي هي موضوعها لا يمكن إثباتها بالجعل.
وهذا الوجه في ردّ الأصول المثبتة غير مرضيّ ، إذ لا مانع من جعل الآثار العقلية والعادية بمعنى إثباتها تنزيلا لغرض ترتيب الآثار الشرعية المترتبة عليها ولو بوسائط ، وهذا بعينه كالاستصحابات الموضوعية كحياة زيد وعدالته ونحو ذلك فإنه لا يمكن إثباتهما تكوينا بل تنزيلا لغرض ترتيب آثارهما الشرعية ، بل نقول : لو لم يمكن ترتيب الآثار العقلية لعدم القابلية لم يمكن ترتيب الآثار الشرعية أيضا ، لأنّ الدليل الدال على إبقاء ما كان مثلا لا يدل على جعل حكم جديد ، بل المراد إبقاء الحكم الأوّلي تنزيلا ، وأما بالنسبة إلى الواقع فهو كما هو عليه لا يتغيّر.
بل الوجه المرضي هو ما أشار إليه المصنف في أواخر أصل البراءة من أنّ أدلة حجية الأصول قاصرة لإثبات الآثار التي لا يترتّب على نفس المورد بل بواسطة ترتّب شيء آخر. وبعبارة أخرى : لا تثبت إلّا الآثار بلا واسطة ، ولا إطلاق لها حتى تثبت الآثار مع الواسطة ، فعدم اعتبار الأصول المثبتة من جهة قصور دليلها عن ذلك لا وجود مانع عنه من جهة عدم المعقولية أو غيره ، وحينئذ نقول : إنّ أدلة حجية الأمارات مطلقة تثبت جميع الآثار الشرعية وغيرها بلا واسطة أو مع الواسطة ، وبهذا يفرّق بين أدلة الأصول والأمارات.