ولازمه جواز المخالفة القطعية بالنسبة إليه ، وأما قيام الإجماع على عدم جواز المخالفة القطعية فهو أمر لا ربط له بذلك الخطاب المجمل.
قوله : وهذا الوجه هو الذي ينبغي أن يقصد (١).
إن قلنا بأنّ القربة المعتبرة في صحة العبادة هو إتيان ما تعلّق به غرض المولى واقعا المشتمل على المصلحة الواقعية بقصد تحصيل ذلك الغرض وتلك المصلحة ، فلا ريب أن الاتيان بقصد الاحتياط لا ينطبق عليه ، بل لا يتحقق ذلك المعنى إلّا بعد العلم بالواجب ، وإن قلنا بأنّ المعتبر في العبادة ليس إلّا أن يكون داعي المأمور في عمله هو الله بأن يقصد أمرا يرجع إلى الله من موافقة أمره أو التقرّب إليه أو الطمع في ثواب العمل منه تعالى أو الخوف من عقابه أو لأنّه أهل للعبادة أو لأنّ العمل محبوبه إلى غير ذلك من الاعتبارات الراجعة إليه ، فلا ريب أنّ الاتيان بداعي الاحتياط والرجاء بالظفر بمطلوبه من أقوى أفراد القربة بل القربة فيه أتمّ وأكمل من معلوم الوجوب لو فعله بقصد أمره ، لأنّ هذا العبد المحتاط الآتي بما يحتمل أن يكون مطلوبا للمولى أشد اهتماما بإطاعة المولى ممن يأتي بما يعلم أنه مطلوب للمولى لأجله ، وهذا هو التحقيق الذي يعتمد عليه ، لأنّ مستند اعتبار القربة في العبادات منحصر في الإجماع على التحقيق والقدر المتيقّن منه لا يزيد عن أن يكون العمل بداع يرجع إلى الله بوجه من الوجوه.
وما قيل إنّ الأصل في الأوامر هو التعبدية فالمستند في اعتبار القربة هو الأمر بنفسه ، وكذا ما استدلّ له من آية (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ
__________________
(١) فرائد الأصول ٢ : ٢٨٩.