العموم مرآة للأفراد بالمعنى الحرفي كاللام في الجمع المحلّى باللام مثل قوله : لا تكرم الفسّاق فإنّ مفاده في القضية السالبة عموم السلب ، كما أنّ مفاده في القضية الموجبة عموم الاثبات. الثاني أن يكون الدال على العموم عنوانا للأفراد بحيث يكون هو المأمور به والمنهي عنه كلفظ كلّ فإنه يراد منه عنوان الشمول والإحاطة ، فإذا وقع ذلك العنوان في حيّز النفي يفيد سلب العموم كما في الكلّ المجموعي بعينه لا فرق بينهما من هذه الجهة ، ومن هنا اشتهر عند علماء البيان أنّ قوله لم آخذ كلّ الدراهم يفيد سلب العموم (١).
__________________
(١) أقول : فيه نظر ، لأنه إن أريد من لفظ كلّ عنوان الشمول والإحاطة فهو عين الكل المجموعي ولا نتصوّر للكل المجموعي معنى غير ذلك ، اللهمّ إلّا ما يظهر من كلام بعضهم من أنّ المراد منه ما يفيد كون ما يضاف إليه هو المركّب الارتباطي كما يقال كل العسكر فتح البلد ، نظرا إلى أن الفتح لا يحصل إلّا بالمجموع من حيث المجموع ، وحيث إنّ المعروف أنّ مثل قوله لم آخذ كل الدراهم مما وقع كل عقيب النفي يفيد سلب العموم أشكل عليهم قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ)[لقمان ٣١ : ١٨] وقوله : قد أصبحت أمّ الخيار تدّعي علي ذنبا كلّه لم أصنع ، مما أريد به عموم السلب.
وقد يجاب بأنّ القضية في نفسها لا تفيد أزيد من سلب العموم ، ولكن يستفاد عموم السلب من الخارج بتقريب أنّ عدم حبّه لكل مختال فخور أعم من عدم حبّه لأحد منهم وعدم حبّه لجميعهم بحيث يجتمع مع حبّ بعضهم واتفق انطباقه هنا للفرد الأول قد علم ذلك من الخارج.
أقول : الظاهر أنّ عموم السلب في مثل المثالين مقصود بالإفادة واستعمل اللفظ فيه لا أنّه من باب الاتفاق بقرينة الخارج ، وذكر صاحب الفصول في أول مبحث الجمع المحلّى في الفرق بين المثالين وبين غيره وجها دقيقا وهو أنّه قد يعتبر ورود النفي على الكلام بعد اعتبار نسبة الكلام على الوجه المقصود في الإثبات ويحمل عليه المثالان ، فإنّ الكلام مع قطع النظر عن النفي يفيد عموم الإثبات ، ونفي هذا المفهوم لا يكون إلّا بعموم السلب ، وقد يعتبر النسبة السلبية متعلقا بمدلول كلّ فيفيد سلب العموم ويحمل عليه باقي الأمثلة ، هذا ملخّص