بواسطة العقل ومن عند النّفس من دون ملاحظة وضع الواضع وبعبارة أخرى ما شاع بين النحويين من ان المصدر أصل الكلام قد أبطل عند الأصوليين المتأخرين بان وضع المشتقات ليس بقانوني بل يكون وضع كل كلمة بإزاء كل معنى بنحو الجمود فمن الممكن ان يكون للضرب معنى وهو بالفارسية زدن وللإضراب بفتح الهمزة معنى آخر وهو الأمثال والنّظائر والقواعد التي عندهم وان كانت متبعة إلّا ان الخروج عنها أيضا في بعض الموارد يكون غير منكر ولذا تريهم يقولون مثلا مات ماضي يذر ويدع بل ندعي ان الظهور الكلامي ربما لا يكون كظهور مفرداته عند الوضع فان مراد المتكلم يفهم من صدر كلامه وذيله وربما يكون الصدر قرينة للذيل وربما يكون بالعكس ولذا نفهم من قوله تعالى وكلم الله موسى تكليما (النساء آية ١٦٢) ان المراد بالكلام هو التلفظ بإيجاد الصوت في الشجرة لظهوره كذلك ونفهم من قوله تعالى ان الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح (آل عمران آية ٤٠) ان المراد بها هو جهة مبرزية الكلام ولذا يصدق على المسيح عليهالسلام انه كلمة منه.
وإذا كان الكلام في امر نبع الماء وسفينة نوح في قوله تعالى واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ثم ورد قوله تعالى ولا تخاطبني في الذين ظلموا انهم مغرقون (في سورة هود آية ٣٩) فلا مجال لتوهم ان الغرق يكون في بحر المحبة والرحمة وتوهم ان ما ورد من الوعيد بالنار من الآيات المباركات يكون المراد منها نار العشق بصرف إطلاق النار عليه أيضا حقيقة أو مجازا كما يزعم من خرج عن قانون المحاورة والعقلاء ويدعى من عند نفسه ان له لغة مختصة به فان المتكلم بالعربية لا بد ان يلاحظ وضع لغة العرب وفهم عامة العقلاء الظهور من اللفظ لا ان يدعى من قبل نفسه ان معنى هذه اللغة هكذا أو ظهور العبارة كذا وانا افهم لا غيري.