فصل في النهي المتوجه إلى المعاملات
قد مر البحث في النهي في العبادات وانه يقتضى الفساد واما المعاملات فالبحث فيها هنا بعون الله تبارك وتعالى ويجب تقديم مقدمات قبل الشروع في أصل المطلب والمدعى.
المقدمة الأولى ان النهي اما متوجه إلى السبب كما يقال لا تبع وقت النداء فان المبغوض هو إجراء الصيغة أو غيرها من الأسباب من حيث المزاحمة لصلاة الجمعة واما متوجه إلى المسبب مثل النهي عن بيع المصحف فان المبغوض هو انتقال المصحف بالبيع إلى الغير لا صيغة البيع وهو المسبب واما متوجه إلى التسبب مثل النهي عن بيع المنابذة فان المبغوض هو المعاملة بهذا النحو لا من جهة مبغوضية السبب ولا من جهة مبغوضية المسبب فان تهيئة الأسباب بهذا النحو الّذي يصير ربويا مبغوضة للشرع. واما متوجه إلى الأثر مثل ان يقال ثمن العذرة سحت.
المقدمة الثانية ـ لا يخفى ان المعاملات كانت قبل الشرع دارجة بين الناس لأن حياتهم الاجتماعية والفردية كانت بواسطتها فانه لا مناص عن البيع والشراء ورفع الحوائج المادية بواسطة إعطاء بعض ما في اليد مما هو زائد عن مقدار الاحتياج إلى الغير وأخذ الزائد من احتياج الغير منه مثل من كان له لبن أكثر من مقدار شربه وشرب عياله ولم يكن له خبز وكان الخبز في يد غيره فيعطي مقدارا من اللبن ويأخذ مقدارا من الخبز وهكذا كان التبادل بين الأعيان في الصدر الأول ثم آل الاحتياج إلى تبديل الأعيان بالنقود وبالعكس لمصلحة التسهيل في باب التبادل حسب ما رآه الاجتماع الإنساني في عيشته فما ورد عن الشارع المقدس في ذلك يكون تارة إمضاء لما هو الدارج بينهم وتارة ردعا له لبعض المصالح الّذي يكون في نظره المقدس فان البيع الربوي وان اعتبره العقلاء ولكنه منع منه لفساد المجتمع به.