لمعنى واحد ... وبالجملة ، لا يكاد يمكن في حال استعمال واحد لحاظه وجها لمعنيين وفانيا في الاثنين ، إلّا أن يكون اللّاحظ أحول العينين». (١)
وفيه : أنّ مقولة الفناء والإفناء غير مقولة الاستعمال ؛ إذ الاستعمال هو جعل اللّفظ آلة لإفادة المعنى ، فلا مانع من أن يحضر المتكلّم معاني متعدّدة ويرتّبها وينظّمها ثمّ يعبّر عنها بألفاظ ، أو بلفظ واحد ، وكذا لا مانع من أن يسمع لفظا واحدا ويحضر هو في نفسه ، ثمّ ينتقل منه إلى أكثر من معنى ، بعد الفراغ عن علمه بوضعه للمعاني الكثيرة ، أو للمعنيين.
ولنعم ما قال ، الإمام الرّاحل قدسسره في المقام ، وإليك نصّ كلامه : «ألا ترى ، أنّ قوى النّفس ، كالباصرة والسّامعة آلات لإدراكاتها وتدرك بها المبصرات وقد تبصر الشّيئين وتسمع الصّوتين في عرض واحد ، ولا يلزم منه أن يكون للآلة حضوران لدى النّفس؟!». (٢)
ومنها : ما عن المحقّق الأصفهاني قدسسره من : «أنّ حقيقة الاستعمال إيجاد المعنى في الخارج باللّفظ ، حيث إنّ وجود اللّفظ في الخارج ، وجود لطبيعيّ اللّفظ بالذّات ، ووجود لطبيعيّ المعنى بالجعل والمواضعة والتّنزيل ، لا بالذّات ... وحيث إنّ الموجود الخارجي بالذّات واحد ، فلا مجال لأن يقال : بأن وجود اللّفظ وجود لهذا المعنى خارجا ووجود آخر لمعنى آخر ، حيث لا وجود آخر كى ينسب إلى الآخر بالتّنزيل». (٣)
__________________
(١) كفاية الاصول : ج ١ ، ص ٥٤ و ٥٥.
(٢) مناهج الوصول : ج ١ ، ص ١٨٣.
(٣) نهاية الدّراية : ج ١ ، ص ٨٨.