الأمر الرّابع : أنّ كلمة : «يقتضي» في العنوان ، هل يراد بها العلّيّة والتّأثير ، أو يراد بها الكشف والدّلالة؟ وجهان :
ذهب المحقّق الخراساني قدسسره إلى الأوّل (١) وهو الحقّ المختار.
ويدلّ عليه ، أنّ الأمر يدور مدار الغرض ثبوتا وسقوطا ، حدوثا وبقاء ، والغرض قائم بالمأمور به بأسره من الشّرط والشّطر ، فإذا اتي به بتمام أجزاءه ، وشرائطه يحصل الغرض ويسقط الأمر ، وإلّا ، فلا.
وإن شئت ، فقل : إنّ أمد الأمر هو حصول الغرض ، فينتهي أمده بحصوله ، فلو قلنا : ببقائه حينئذ لزم منه الخلف ، أو عدم إمكان الامتثال أبدا ؛ إذ لو لم يسقط الأمر بإتيان الأوّل ، لا يسقط بإتيان الثّاني والثّالث ، وهكذا ؛ لوحدة حكم الأمثال فيما يجوز ، وفيما لا يجوز.
ولا يخفى : أنّ مراده قدسسره من الاقتضاء والعلّيّة قبال الكشف والدّلالة ، هو هذا المعنى الّذي ذكرناه : من انتهاء أمد الحكم بحصول الغرض ، لا أنّ مراده من العلّيّة هي العليّة التّكوينيّة العينيّة ؛ وذلك ، لما أفاده الإمام الرّاحل قدسسره (٢) من انتفاءها في المقام ، سواء فسّر الإجزاء ، بمعنى : الكفاية ، أم بشيء آخر من سقوط الأمر أو الإرادة.
أمّا الكفاية ، فلانّه عنوان انتزاعي لا يقع موردا للتّأثير والعلّيّة ؛ وأمّا سقوط الامر ، فلأنّ الإتيان ليس مؤثّرا في سقوط الأمر وعلّة له ، حيث إنّ السّقوط ليس من الامور القابلة للتّأثير والعلّيّة ؛ وأمّا سقوط الإرادة ، فلوضوح أنّ الإتيان لا يكون
__________________
(١) كفاية الاصول : ج ١ ، ص ١٢٥ ، حيث قال : «الظّاهر ، أنّ المراد من الاقتضاء هاهنا الاقتضاء بنحو العلّيّة والتّأثير لا بنحو الكشف والدّلالة ؛ ولذا نسب إلى الإتيان ، لا إلى الطّبيعة».
(٢) راجع ، تهذيب الاصول : ج ١ ، ص ١٣٦.