٣ ـ أحوال صاحب المعجزة دليل على صدقه ، الطريق الآخر لتمييز المعجزات عن خوارق العادات البشرية هو المقارنة بين حالات أصحابها ، فأصحاب المعجزات مبعوثون من قبل الله لهداية الناس ، ولذا نراهم متّصفين بأوصاف تتناسب ودورهم هذا ، في حين أنّ السحرة والكهنة والمرتاضين لا يهدفون إلى هداية الناس ، ولا يتكفّلون بمتابعة مثل هذه الأهداف ، بل ينحصر هدفهم عادةً في واحد من الامور الثلاثة التالية :
١ ـ إستغفال البسطاء من الناس.
٢ ـ كسب الشهرة بين عامّة الناس.
٣ ـ المكاسب المادّية التي تجنى عن طريق إشغال الناس وإلهائهم.
وحينما ينزل هذان الفريقان (الأنبياء ، والسحرة وأمثالهم) إلى الميدان لا يتمكّنون أبداً من كتمان امنياتهم وأهدافهم مدّة طويلة ، بالضبط كما طلب السحرة وقبل نزولهم للميدان أجراً عظيماً من فرعون ، وقد وافق على ذلك : (قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ* قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ). (الأعراف / ١١٣ ـ ١١٤)
في حين أنّ الأنبياء يكرّرون دائماً القول : (وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ). (الشعراء / ١٠٩) (وقد ورد هذا التعبير في حقّ الكثير من الأنبياء في العديد من الآيات).
ووقوف السحرة في خدمة فرعون يكفي بنفسه للتمييز بين «السحر» و «المعجزة».
ولا يخفى أنّ حقيقة الإنسان لابدّ وأن تنعكس من خلال تصرّفاته ، وإن أجاد في كتمان أفكاره وأهدافه.
خلاصة القول هي أنّ الوقوف على بدايات حياة أمثال هؤلاء الأشخاص وكيفية استفادتهم من خرقهم للعادات التي يؤدّونها ، مع الأخذ بنظر الإعتبار مكانة أمثالهم بين مختلف شرائح المجتمع ، بالإضافة إلى نوعية تصرّفاتهم وأخلاقهم ، يمكنها بمجموعها أن تكون دليلاً حسناً لتمييز «السحر» عن «المعجزة» ، ومع غض النظر عن موارد الأخلاق الاخرى التي ذكرت ، نجد أنّ من السهل تشخيص المعجزات عن السحر وبقيّة خوارق العادات من خلال هذا السبيل.