والعجيب من الفخر الرازي المعروف بشروحه وتفصيلاته الوافية ودقّة ملاحظاته عند تناول آيات القرآن ، هو مروره مرّ الكرام على هذه الآية التي يطول فيها الحديث من كافّة الأبعاد ، وتفسيره لها لفظيّاً بسطرين أو ثلاثة لا غير؟!
لماذا يبتلى عالم بمثل هذا التعصّب الذي يغلق عليه أبواب الحقيقة مع ما تميّز به من قابلية واطّلاع واسع؟!
* * *
٣ ـ الملاحظة الاخرى هي أنّه : قد جاء في الكثير من الأحاديث ، والتي اشير إلى البعض منها فيما تقدّم أنّ النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله وبعد نزول هذه الآية كان ينادي لمدّة أربعين يوماً أو ستّة أشهر أو ثمانية أشهر أو أكثر من ذلك عند صلاة الفجر ، أو كلّ الصلوات أو حين مروره ببيت فاطمة الزهراء عليهاالسلام : الصلاة يا أهل البيت إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً ، وجاء في البعض منها أنّه صلىاللهعليهوآله كان يقول : «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهل البيت إنّما يريد الله ...» (١).
التفاوت الملحوظ في هذه الروايات من الناحية الزمنية لا أهميّة له أصلاً ، إذ من الممكن أنّ «أنساً» قد شهد هذا الموقف ستّة أشهر ، وأبا سعيد الخدري ثمانية أشهر وغيرهما أكثر أو أقل ، إذ في الواقع كلّ يذكر المدّة التي شهدها هو بنفسه دون أن ينفي ما زاد عليها.
ولكن على أيّة حال فهذه الرواية دليل واضح جدّاً على أنّ النبي الأكرم صلىاللهعليهوآله ، كان يريد بيان هذه الحقيقة لعموم المسلمين وترسيخها في أذهانهم ، وهي أنّ هذه الأسرة فقط دون سواها هي أهل بيته في هذه الآية.
وإلقاؤه الرداء على هؤلاء النفر من أهل بيته وتشخيصه لهم به ، وحجب الآخرين حتّى
__________________
(١) جاء هذا الحديث في شواهد التنزيل عن أنس بن مالك ، ج ٢ ، ص ١١ ، وعن أبو سعيد الخدري في نفس الجزء ، ص ٢٨ و ٢٩ ، وفي الدرّ المنثور في ذيل الآية مورد البحث عن ابن عبّاس وأبو الحمراء.