هذا التعبير لا ينحصر بالآية المذكورة ، بل قد ورد نفس هذا المعنى أيضاً بتفاوت ضئيل : (وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الُمخْلَصِينَ). (الحجر / ٣٩ ـ ٤٠)
* * *
وفي الآية الثامنة نرى هذا المعنى أيضاً بشكل آخر حيث يحكي تعالى عن فريق من الأنبياء الكبار : (إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ).
وكما قلنا في خصائص الأنبياء عليهمالسلام فـ «المخلص» (بكسر اللام) هو الذي يسعى لتصفية قلبه وهي المرحلة الرفيعة من التقوى وطهارة القلب والمرحلة الأرفع والأسمى منها هي «المخلص» (بفتح اللام) وهو يختصّ باولئك الذين طهّرهم الله تعالى من كلّ الشوائب والقبائح ، نتيجة سعيهم المتواصل لتهذيب أنفسهم ، ولهذا يرتبطون بالله تعالى بكلّ وجودهم ، وبديهي أنّ الشيطان لا يجد إلى نفوسهم طريقاً أبداً ، إذ لا مكان لغير الله في قلوبهم ولذا لا يفكّرون بمن سواه ولا يتمنّون غير رضاه.
ومن المسلّم أنّ صفة كهذه ملازمة لمرتبة العصمة ، وذلك لخروجهم عن دائرة طاعة الشيطان ، وبالشكل الذي جعله لا يفكّر في صرفهم أبداً ، كما أنّهم خالصون لله تعالى من ناحية الصفات النفسانية والميول والرغبات ، ولهذا السبب لا تدنّسهم الخطيئة ولا يتّبعون الهوى.
ومن البديهي أنّ استثناء الشيطان للانبياء من بين بني آدم ، وعدم السعي لإغوائهم ، ليس لاحترام خاصّ يكنّه لهم باعتبارهم مخلصين ، بل ليأسه وقنوطه ويقينه بعجزه عن الوسوسة لهم.
وبالرغم من أنّ الآيات الآنفة الذكر لا تشير صراحة إلى الأنبياء أو الأئمّة المعصومين ، لكن لفظة «المخلصين» وكيفما فسّرناها تخصّ الأنبياء وأوصياءهم ، لعدم وجود أفضل منهم من بين عباد الله ، والملفت للنظر أنّ هذا التأييد الإلهي المانع من ارتكاب المعصية وهو السبب في العصمة ، والذي يدور حول محور الإخلاص متجسّد في قصّة يوسف أيضاً ، يقول