والإجماع.
الثانية : أهل النظر العقلي والصناعة الفكرية ، وهم الأشعرية والحنفية ، وشيخ الأشعرية أبو الحسن الأشعري ، وشيخ الحنفية أبو منصور الماتريدي ، وهم متفقون في المبادئ العقلية في كل مطلب يتوقف السمع عليه ، وفي المبادئ السمعية فيما يدرك العقل جوازه فقط ، والعقلية والسمعية في غيرها ، واتفقوا في جميع المطالب الاعتقادية إلا في مسألة التكوين ومسألة التقليد.
الثالثة : أهل الوجدان والكشف وهم الصوفية ، ومبادئهم مبادئ أهل النظر والحديث في البداية ، والكشف والإلهام في النهاية» اه.
وليعلم أن كلا من الإمامين أبي الحسن وأبي منصور ـ رضي الله عنهما وجزاهما عن الإسلام خيرا ـ لم يبتدعا من عندهما رأيا ولم يشتقا مذهبا ، إنما هما مقرران لمذاهب السلف مناضلان عما كان عليه أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ؛ فأحدهما : قام بنصرة نصوص مذهب الشافعي وما دلت عليه ، والثاني : قام بنصرة نصوص مذهب أبي حنيفة وما دلت عليه ، وناظر كل منهما ذوي البدع والضلالات حتى انقطعوا وولوا منهزمين ، وهذا في الحقيقة هو أصل الجهاد الحقيقي ، فالانتساب إليهما إنما هو باعتبار أن كلّا منهما عقد على طريق السلف نطاقا وتمسك به وأقام الحجج والبراهين عليه ، فصار المقتدي به في تلك المسالك والدلائل يسمى أشعريّا وماتريديّا (١).
ويقول الدكتور محمد حسن أحمد حسانين :
فالماتريدية والأشاعرة متفقون في المذهب ، أما الناحية المنهجية : فإن بينهم بعض الاختلاف الذي لا يضر في العقيدة ولا يبدع أحدا منهم ؛ فالأمور المختلف فيها جزئية فرعية ، معظمها مبني على شبه الألفاظ وتعيين المعنى المراد منها.
وهي عند النظر السليم لا تخرج عن كونها اختلافات مثل ما بين أصحاب الأشعري وأصحاب أبي حنيفة (٢).
وقال العلامة السبكي في الطبقات : ولي قصيدة نونية جمعت فيها هذه المسائل وضممت إليها مسائل اختلف الأشاعرة فيها ... وقال في شرح عقيدة ابن الحاجب : ثم تصفحت كتب الحنفية ، فوجدت جميع المسائل التي بيننا وبين الحنفية خلاف فيها ثلاث
__________________
(١) ينظر : إتحاف السادة المتقين (٢ / ٦ ، ٧).
(٢) ينظر : منهج الأشاعرة والماتريدية في علم الكلام ص (٢٣١).