والآيات التي نزلت مرتبطة بوقائع كثيرة في القرآن الكريم ، وقلما تجد سورة تخلو من آيات مرتبطة بوقائع ، فمن ذلك ما جاء في سورة البقرة : ففي قوله تعالى : (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) [البقرة : ١٤] أخرج الواحدي والثعلبي من طريق محمد بن مروان والسدي الصغير عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ، قال : نزلت هذه الآية في عبد الله بن أبي وأصحابه ، وذلك أنهم خرجوا ذات يوم فاستقبلهم نفر من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال عبد الله بن أبي : انظروا كيف أرد عنكم هؤلاء السفهاء ، فذهب فأخذ بيد أبي بكر فقال : مرحبا بالصديق سيد بني تميم ، وشيخ الإسلام ، وثاني رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الغار ، الباذل نفسه وماله لرسول الله ، ثم أخذ بيد عمر فقال : مرحبا بسيد بني عدي بن كعب ، الفاروق القوي في دين الله ، الباذل نفسه وماله لرسول الله ، ثم أخذ بيد على ، فقال : مرحبا بابن عم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وختنه (١) ، سيد بني هاشم ما خلا رسول الله ، ثم افترقوا فقال عبد الله لأصحابه : كيف رأيتموني فعلت؟ فإذا رأيتموهم فافعلوا كما فعلت ، فأثنوا عليه خيرا ، فرجع المسلمون إلى النبي صلىاللهعليهوسلم وأخبروه بذلك ، فنزلت هذه الآية (٢).
وفي قوله تعالى : (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [النساء : ٦٥] أخرج الأئمة الستة عن عبد الله بن الزبير قال : خاصم الزبير رجلا من الأنصار في شراج الحرة ، فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «اسق يا زبير ، ثم أرسل الماء إلى جارك».
فقال الأنصاري : يا رسول الله ، أن كان ابن عمتك ، فتلون وجهه ، ثم قال : «اسق يا زبير ، ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدار ، ثم أرسل الماء إلى جارك» ، واستوعب للزبير حقه ، وكان أشار عليهما بأمر لهما فيه سعة ، قال الزبير : فما أحسب هذه الآيات إلا نزلت في ذلك (٣).
__________________
ـ في فهم معاني القرآن» وقال ابن تيمية : «معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية ، فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب ، وقد أشكل على جماعة من السلف معاني آيات حتى وقفوا على أسباب نزولها فزال عنهم الإشكال» (ينظر : الإمام السيوطي : أسباب النزول ، تحقيق وتعليق : قرني أبو عميرة ، مكتبة نصير ، القاهرة ، مصر ، ص ٥).
(١) أي صهره وزوج ابنته.
(٢) السيوطي : أسباب النزول (ص ١٠ ، ١١) وقال : هذا الإسناد واه جدا ، فإن السدي الصغير كذاب ، وكذا الكلبي ، وأبو صالح ضعيف وانظر الدر المنثور له (١ / ٦٩).
(٣) أخرجه البخاري (٥ / ٣٠٧) كتاب المساقاة باب سكر الأنهار (٢٣٥٩) و (٢٣٦٠) ، ومسلم (٤ / ـ