تعالى : (يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان : ١٣]» (١).
ففسر رسول الله صلىاللهعليهوسلم الظلم في الآية الأولى بالشرك في الآية الثانية.
ومن تفسير القرآن بالقرآن ما جاء بحمل المجمل على المفصل ، مثال ما جاء في تفسير قول الله تعالى : (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) [المائدة : ١] فقد جاء تفسير قوله سبحانه : (إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ) في آية كريمة أخرى هي قوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [المائدة : ٣].
ومن تفسير القرآن بالقرآن ـ أيضا ـ ما جاء بحمل المطلق على المقيد ، والعام على الخاص : فمن الأول : ما نقله الغزالي عن أكثر الشافعية من حمل المطلق على المقيد في صورة اختلاف الحكمين عند اتحاد السبب ، ومثل له بآية الوضوء والتيمم ، فإن الأيدي مقيدة في الوضوء بالغاية في قوله تعالى : (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ) [المائدة : ٦] ... ومطلقة في التيمم في قوله تعالى في الآية نفسها : (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) [المائدة : ٦] فقيدت في التيمم بالمرافق أيضا (٢).
ومن النوع الثاني : نفي الخلة والشفاعة على جهة العموم في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [البقرة : ٢٥٤] فخصص العموم في قوله تعالى : (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى) [النجم : ٢٦] فقد استثنى ما أذن فيه من الشفاعة ، وفي قوله تعالى : (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) [الزخرف : ٦٧] فقد استثنى الله المتقين من نفي الخلة. (٣)
__________________
(١) أخرجه البخاري (١ / ١٢٢) كتاب الإيمان باب ظلم دون ظلم (٣٢) ، ومسلم (١ / ١١٤ ـ ١١٥) كتاب الإيمان باب صدق الإيمان (١٩٧ / ١٢٤) ، وأحمد (١ / ٣٧٨ ، ٤٢٤ ، ٤٤٤) ، والنسائي في الكبرى (٦ / ٤٢٧) كتاب التفسير باب قوله تعالى (لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان : ١٣] ، وأبو يعلى (٥١٥٩) والترمذي (٥ / ١٥٢) كتاب التفسير باب ومن سورة الأنعام (٣٠٦٧) وأبو عوانة (١ / ٧٣) ، وابن حبان (٢٥٣) ، وابن مندة (٢٦٥) و (٢٦٦) و (٢٦٧) و (٢٦٨) ، والبيهقي (١٠ / ١٨٥).
(٢) ينظر : د. محمد حسين الذهبي : التفسير والمفسرون (١ / ٤٢).
(٣) ينظر : السابق ، الصفحة نفسها.