في الدنيا والآخرة؟
ومما يدل على هذا الدليل العقلي ما أخرجه الإمام أحمد وابن ماجه عن عمر ـ رضي الله عنه ـ أنه قال : «من آخر ما نزل آية الربا ، وإن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قبض قبل أن يفسرها» (١).
وهذا يدل بالفحوى على أنه كان يفسر لهم كل ما نزل ، وأنه إنما لم يفسر هذه الآية لسرعة موته بعد نزولها ، وإلا لم يكن للتخصيص بها وجه (٢).
وأما أدلة الفريق الثاني : فقد استدلوا ـ أيضا ـ من السنة والمعقول :
فمن السنة : ما أخرجه البزار عن عائشة قالت : «ما كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يفسر شيئا من القرآن إلا آيات بعدد ، علمه إياهن جبريل» (٣).
ومن المعقول قالوا : إن بيان النبي صلىاللهعليهوسلم لكل معاني القرآن متعذر ، ولا يمكن ذلك إلا في آي قلائل ، والعلم بالمراد يستنبط بأمارات ودلائل ، ولم يأمر الله نبيه صلىاللهعليهوسلم بالتنصيص على المراد في جميع آياته ؛ لأجل أن يتفكر عباده في كتابه.
وقالوا ـ أيضا ـ : لو كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم بيّن لأصحابه معاني القرآن ، لما كان لتخصيصه ابن عباس بالدعاء له بقوله : «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل» (٤) فائدة ؛ لأنه يلزم من بيان رسول الله صلىاللهعليهوسلم لأصحابه كل معاني القرآن ، استواؤهم في معرفة تأويله ، فكيف يخصص ابن عباس بهذا الدعاء؟ (٥).
__________________
(١) أخرجه أحمد (٣ / ٥٩٧) ، وابن ماجه (٣ / ٥٩٦) كتاب التجارات باب التغليظ في الربا (٢٢٧٦) ، وقال البوصيري في الزوائد (٢ / ١٩٨) : هذا إسناد صحيح ورجاله ثقات.
(٢) ينظر : د. الذهبي : التفسير والمفسرون (١ / ٥١ ، ٥٢).
(٣) أخرجه البزار (٢١٨٥ ـ كشف الأستار).
(٤) أخرجه البخاري (١ / ٢٩٤) كتاب الوضوء : باب وضع الماء عند الخلاء حديث (١٤٣) ، ومسلم (٤ / ١٩٢٧) كتاب فضائل الصحابة : باب فضائل عبد الله بن عباس حديث (١٣٨ / ٢٤٧٧) ، وأحمد (١ / ٣٢٧) ، والنسائي في الكبرى (٥ / ٥١ ـ ٥٢) كتاب المناقب : باب عبد الله بن العباس حديث (٨١٧٧).
وأخرجه البخاري (١ / ٢٠٤) كتاب العلم : باب قول النبي صلىاللهعليهوسلم «الله علمه الكتاب» حديث (٧٥) ، و (٧ / ١٢٦) كتاب فضائل الصحابة : باب ذكر بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ حديث (٣٧٥٦) ، و (١٣ / ٢٥٩) كتاب الاعتصام حديث (٧٢٧٠) والترمذي (٥ / ٦٨٠) كتاب المناقب : باب مناقب عبد الله بن عباس حديث (٣٨٢٤) والنسائي في الكبرى (٥ / ٥٢) كتاب المناقب حديث (٨١٧٩) وابن ماجه (١ / ٥٨) المقدمة : باب فضائل أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم حديث (١٦٦) وأحمد (١ / ٢١٤ ، ٣٥٩).
(٥) ينظر : د. الذهبي : التفسير والمفسرون (١ / ٥٢ ، ٥٣).