ومن خلال عرض رأي الفريقين يتضح الآتي :
أولا : مغالاة الفريقين فيما ذهبا إليه ، وأن المقبول هو أن الرسول صلىاللهعليهوسلم قام بدور عظيم في تفسير كتاب الله ، لكنه لم يفسره كله بطبيعة الحال ؛ إذ لو قلنا بتفسير رسول الله صلىاللهعليهوسلم القرآن كله لما كان هناك داع لدعوة القرآن إلى تدبر آيات الله فيه (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) [ص : ٢٩] ، ولما كان للتحذير الشديد والوعيد القاصم للذين لا يتدبرونه في قوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) [محمد : ٢٣ ، ٢٤] من قيمة.
ثم إنه إذا كان الأمر كذلك فلا قيمة للتفسيرات التي وضعها العلماء من لدن الصحابة وحتى يوم الناس هذا ، وهي تفسيرات فيها من الجديد المعجب ما لا يمكن إنكاره ، أو الزعم بأنه غير صحيح.
هذا بالإضافة إلى أننا لو قلنا بأن رسول الله صلىاللهعليهوسلم فسر القرآن لفظه ومعناه لكذبناه صلىاللهعليهوسلم فيما قال عن القرآن من أنه : «لا تنقضي عجائبه ولا يخلق على كثرة الرد» (١) ، ولكان اختلاف الصحابة حول القرآن بعد رسول الله اجتراء منهم على الله وحيفا عن هديه صلىاللهعليهوسلم ، وحاشا أن يفعل الصحابة ذلك أو يقع منهم.
كما أننا لو قلنا : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لم يفسر من معاني القرآن إلا القليل ، لهضمنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم حقه في شخصه ودعوته ورسالته ؛ إذ إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بين أصول الدين وأحكامه وشرائعه وأركانه المبثوثة في القرآن الكريم بصورة إجمالية أو كلية ، ففصل المجمل ، وأبان عن جزئيات الكلي ، فعرف الناس دينهم : أصوله وأركانه وشرائعه وجزئياته ، فلو قلنا : إنه صلىاللهعليهوسلم لم يفسر إلا القليل ، فمن الذي بين لنا الدين «الإسلام» الذي جاء به القرآن؟!
كذلك لو قلنا بهذا لكذبنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم في قوله : «ألا وإني أوتيت القرآن ومثله
__________________
(١) هو طرف من حديث طويل. أخرجه أحمد (١ / ٩١) والترمذي (٥ / ٢٩ ـ ٣٠) كتاب فضائل القرآن باب ما جاء في فضل القرآن (٢٩٠٦) والبزار في البحر الزخار (٨٣٤) و (٨٣٥) و (٨٣٦) وأبو يعلى (٣٦٧) ومحمد بن نصر في قيام الليل (ص ١٢٣) من طريق حمزة الزيات عن أبي المختار الطائي عن ابن أخي الحارث الأعور عن الحارث عن علي بن أبي طالب ... فذكره مطولا قال الترمذي :
هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث حمزة الزيات وإسناده مجهول وفي حديث الحارث مقال.