بالتوقيف والمنع من الرأي لا يصح.
والرابع : أن هذا الفرض لا يمكن ؛ لأن النظر في القرآن من جهتين :
من جهة الأمور الشرعية ، فقد يسلم القول بالتوقيف فيه وترك الرأي والنظر جدلا.
ومن جهة المآخذ العربية ، وهذا لا يمكن فيه التوقيف ، وإلا لزم ذلك في السلف الأولين ، وهو باطل فاللازم عنه مثله.
وأما الرأي غير الجاري على موافقة العربية أو الجاري على الأدلة الشرعية ، فهذا هو الرأي المذموم من غير إشكال ، كما كان مذموما في القياس ـ أيضا ـ لأنه تقول على الله بغير برهان ؛ فيرجع إلى الكذب على الله تعالى ، وفي هذا القسم جاء من التشديد في القول بالرأي في القرآن ما جاء ؛ كما روي عن ابن مسعود : ستجدون أقواما يدعونكم إلى كتاب الله وقد نبذوه وراء ظهورهم ، فعليكم بالعلم ، وإياكم التبدع ، وإياكم والتنطع وعليكم بالعتيق.
وعن عمر بن الخطاب : إنما أخاف عليكم رجلين : رجل يتأول القرآن على غير تأويله ، ورجل ينافس الملك على أخيه.
وعن عمر ـ أيضا ـ : ما أخاف على هذه الأمة من مؤمن ينهاه إيمانه ، ولا من فاسق بين فسقه ، ولكني أخاف عليها رجلا قد قرأ القرآن حتى أذلقه بلسانه ثم تأوله على غير تأويله (١).
وليس الأمر على ما ذهب إليه الدكتور الذهبي ومن وافقه ، فالخلاف على حقيقته ؛ ذلك أن ما ذكره القاسمي يتجه إلى قسمين متضادين من الرأي : قسم محمود ، وهو الجاري على موافقة كلام العرب وموافقة الكتاب والسنة ، وقسم مذموم وهو غير الجاري على موافقة كلام العربية وغير الجاري على الأدلة الشرعية.
فهذا الرأي المذموم من غير إشكال ممنوع ومحرم. وإنما وقع الخلاف بين أهل العلم في النوع الأول المحمود.
ويعضد هذا ما ساقه أحد الباحثين من أمور أربعة :
أحدها : أن مسألة الرأي الفاسد المبني على الهوى والتشهي والفاقد لتحقق شرط الاجتهاد وتوفر ملكاته مما يعلم لكل أحد بالضرورة ـ ولو كان من أصاغر عوام المسلمين
__________________
(١) القاسمي : محاسن التأويل ، تصحيح وتعليق : محمد فؤاد عبد الباقي (دار الفكر ، بيروت ، الطبعة الثانية (١٣٨٩ ه ـ ١٩٧٨ م) (١ / ١٦٤ ، ١٦٥).