فضلا عن أكابر خواصهم وعلمائهم ـ ضرورة امتناعه فيبعد جدّا بل لا يكاد يتصور أن ينفرد المانعون فيما نحن بصدده هنا بإقامة الأدلة على امتناع هذا الرأي المذموم.
وكذلك يبعد أن يخفى أمر ذلك على المجيزين حتى يشتغلوا بنقض أدلة هؤلاء ثم معارضتها بما يثبت نقيضها على ما سترى إن شاء الله تعالى ، كيف والكل يشتركون ويتفقون على امتناع الرأي المذموم كما قلنا.
ثانيها : أنا لا ندري كيف ظهر للدكتور الذهبي ما خفي على كافة فحول العلماء من قبله حتى عدوا الخلاف بين الفريقين حقيقيّا وأوردوه جميعا في كتبهم على هذا النحو واشتغلوا ببيان وجه الحق فيه.
ثالثها : أن عبارة المانعين للتفسير بالرأي صريحة أبين صراحة في قصد كل تفسير بالرأي ، ناصة في جلاء لا يعتوره أدنى شائبة من غموض أو التواء على أنه حتى لو بلغ صاحب الرأي ما بلغ من علم واجتهاد وسعة أدب إلى آخر ذلك ، فليس له أن يفسر القرآن برأيه وإنما عليه أن يقتصر على المأثور فحسب.
رابعها : أن كلّا من أدلة المانعين وردود المجيزين على هذه الأدلة ظاهرة أتم ظهور في أن قصد المانعين إنما هو التعميم لكل رأي ، وأن قصد المجيزين هو إبطال ذلك التعميم بإثبات التخصص على حد ما هو معلوم لدى المناطقة وأهل آداب البحث والمناظرة عن كون مناقضة السلب الكلي هي بالإيجاب الجزئي كذلك فكيف كان يصلح من هؤلاء المانعين هذا التعميم لو أن قصدهم بالفعل هو إرادة التخصيص بالرأي الفاسد (١).
ويهمنا في هذا المقام دون خوض في عرض الخلاف بين المانعين والمجوزين أن نؤكد على ضعف القول بمنع تفسير القرآن بالرأي على الإطلاق ، وأن ما ساقه أصحاب هذا القول لتعضيد قولهم ما هو إلا شبهات أشبه بسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الحق عنده يدحض هذه الشبهات ، ويكشف وجه الحق في المسألة ، وهو أن تفسير القرآن بالرأي جائز بشروطه الضابطة.
فهناك أمور ـ ذكرها الزركشي ـ يجب استناد المفسر بالرأي إليها ، فقال : «للناظر في القرآن لطلب التفسير مآخذ كثيرة أمهاتها أربعة :
الأولى : النقل عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم مع التحرز عن الضعيف والموضوع.
__________________
(١) د. إبراهيم عبد الرحمن خليفة : الدخيل في التفسير ص (٢٩٠ ـ ٢٩٣).