فمنهم من قال : يثبت حكم المدلول عليه ويكون مرادا ولا يحكم بسقوط المعنى الآخر ، بل يجوز أن يكون مرادا ـ أيضا ـ وإن لم يدل عليه دليل من خارج ؛ لأن موجب اللفظ عليهما فاستويا في حكمه ، وإن ترجح أحدهما بدليل من خارج.
ومنهم من قال : ما ترجح بدليل من خارج أثبت حكما من الآخر لقوته بمظاهرة الدليل الآخر.
فهذا أصل نافع معتبر في وجوه التفسير في اللفظ المحتمل ، والله أعلم.
إذا تقرر ذلك فينزل قوله صلىاللهعليهوسلم : «من تكلم في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار» (١) على قسمين من هذه الأربعة :
أحدهما : تفسير اللفظ لاحتياج المفسر له إلى التبحر في معرفة لسان العرب.
الثاني : حمل اللفظ المحتمل على أحد معنييه لاحتياج ذلك إلى معرفة أنواع من العلوم : علم العربية واللغة والتبحر فيها ، ومن علم الأصول ما يدرك به حدود الأشياء ، وصيغ الأمر والنهي والخبر والمجمل والمبين والمؤول والحقيقة والمجاز والصريح والكناية والمطلق والمقيد ، ومن علوم الفروع ما يدرك به استنباطا ، والاستدلال على هذا أقل ما يحتاج إليه ، ومع ذلك فهو على خطر فعليه أن يقول : يحتمل كذا ، ولا يجزم إلا في حكم اضطر إلى الفتوى به فأدى اجتهاده إليه ، فيحرم خلافه مع تجويز خلافه عند الله (٢).
وهذا القانون له نظائر أخرى غير ما ذكر الزركشي ، منها :
أولا : يجب حمل اللفظ إذا دار بين كونه حقيقة أو مجازا مع الاحتمال على حقيقته.
ثانيا : إذا دار الأمر في اللفظ بين جريانه على عمومه أو تخصيصه ، فإنه يحمل على عمومه ؛ لأن الأصل بقاء العموم.
ثالثا : إذا دار اللفظ بين أن يكون مشتركا أو مفردا فإنه يحمل على إفراده ؛ كالنكاح فإنه مشترك بين الوطء وسببه الذي هو العقد فيحمل على الوطء دون العقد أو على العقد دون الوطء لا على الاشتراك.
__________________
(١) أخرجه أحمد (١ / ٢٣٣ ، ٢٦٩ ، ٢٩٣ ، ٣٢٣ ، ٣٢٧) والترمذي (٢٩٥٠) ، (٢٩٥١) والنسائي في الكبرى (٥ / ٣١) وأبو يعلى (٢٣٣٨) ، (٢٧٢١) والطبراني في الكبير (١٢ / ١٢٣٩٢) ، (١٢٣٩٣) والطبري في تفسيره (١ / ٥٨) (٧٣) ، (٧٤) ، (٧٥) عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من قال القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار».
(٢) البرهان في علوم القرآن (٢ / ١٦٦ ـ ١٦٨).