إذ هو على قولهم لا يجوز أن يكون مكلفا قد بقى شىء ـ مما به أداء ما كلف ـ عند الله ، وطلب ما أعطى كتمان العطية ، وكتمان العطية كفران ؛ فيصير كأنّ الله أمر أن يكفر نعمه ويكتمها ويطلبها منه تعنتا. وظنّ مثله بالله كفر.
ثم لا يخلو من أن يكون عند الله ما يطلب فلم يعطه التمام إذا ، أو ليس عنده فيكون طلبه استهزاء به ، إذ من طلب إلى آخر ما يعلم أنه ليس عنده فهو هازئ به فى العرف ، مع ما كان الذى يطلب إما أن يكون لله ألا يعطيه مع التكليف فيبطل قولهم ؛ إذ لا يجوز أن يكلف وعنده ما به الصلاح فى الدين فلا يعطى ، أو ليس له ألا يعطى فكأنه قال : اللهم لا تجر.
ومن هذا علمه بربه فالإسلام أولى به ، وهذا مع ما كان لا يدعو الله أحد بالمعونة إلا ويطمئن قلبه أنه لا يذل عند المعونة ، ولا يزيغ عند العصمة ، وليس مثله يملك الله عند المعتزلة. ولا قوة إلا بالله.
وقد روى عن النبى صلىاللهعليهوسلم أنه قال فى خبر القسمة : «الله يقول : هذا بينى وبين عبدى نصفين».
وذلك يحتمل : أن يكون كل حرف من ذلك بما فيها جميعا الفزع إلى الله بالعبادة ، والاستعانة ورفع الحاجة إليه ، وإظهار غناه ـ جل وعلا ـ عنه ؛ فيتضمن ذلك الثناء عليه ، وطلب الحاجة إليه.
ويحتمل : أن يكون الحرف الأول لله بما فيه عبادته وتوحيده ، والثانى للعبد بما فيه
__________________
ـ الخياطية : أصحاب أبى الحسين بن أبى عمرو الخياط. قالوا : بالقدر وتسمية المعدوم شيئا وجوهرا وعرضا وأن إرادة الله كونه غير مكره ولا كاره وهى فى أفعال نفسه الخلق وفى أفعال عباده الأمر ... إلخ.
ـ الجاحظية : أصحاب عمرو بن بحر الجاحظ : قالوا : إن الأجسام ذوات طبائع ويمتنع انعدام الجواهر. والنار تجذب إليها أهلها لا أن الله يدخلها والخير والشر من فعل العبد والقرآن جسد ينقلب تارة رجلا وتارة امرأة.
ـ الكعبية : أصحاب أبى القاسم بن محمد الكعبى قالوا : فعل الرب واقع بغير إرادته ولا يرى نفسه ولا غيره إلا بمعنى أنه يعلمه.
ـ الجبائية : أصحاب أبى على الجبائى : قالوا : إرادة الله حادثة لا فى محل والعالم يفنى بفناء لا فى محل والله متكلم بكلام يخلقه فى جسم ولا يرى فى الآخرة والعبد خالق لفعله ومرتكب الكبيرة لا مؤمن ولا كافر وإن مات بلا توبة يخلد فى النار ... إلخ.
ـ البهشمية : انفرد أبو هاشم عن أبيه بإمكان استحقاق الذم والعقاب بلا معصية وبأنه لا توبة عن كبيرة مع الإصرار على غيرها عالما بقبحه ولا مع عدم القدرة. ولا يتعلق علم بمعلومين على التفصيل ولله أحوال لا معلومة ولا مجهولة ولا قديمة ولا حادثة. ينظر : حاشية أحمد ملا على شرح العقائد النسفية للعلامة التفتازانى (١ / ٥٣) وما بعدها.