بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ ...) الآية [البقرة : ١٥٥] ، ولأن فى العقل ما يدفع حمل الأشياء كلها على الإباحة ، لما فى ذلك فساد الخلق ، وتفانيهم.
فبين لكل منهم ملكا على حدة بسبب يكتسب به ؛ لئلا يحملهم على التفانى والفساد ، وبالله نستعين.
وقوله : (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً).
أى : أعدالا ، وأشكالا فى العبادة ، وكله واحد.
ند الشىء : هو عدله. وشكله : هو مثله.
وقوله : (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ).
الأول : أن لا ندّ ، ولا عدل ، ولا شكل ؛ لما أراكم من إنشاء هذه الأشياء ولم تروا من ذلك ممن تعبدونه شيئا.
والثانى : (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) لما أنشأ فيكم من الأشياء ما لو تدبرتم وتفكرتم وتأملتم ، علمتم أنه لا ندّ له ولا شكل له ؛ كقوله : (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) [الذاريات : ٢١].
وقوله عزوجل : (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا).
من القرآن أنه مختلق مفترى ، وأنه ليس منه ؛ كقولهم : (إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ) [ص : ٧] ، وقولهم : (ما هذا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرىً) [سبأ : ٤٣] ، و (ما هذا إِلَّا سِحْرٌ) [القصص : ٣٦].
وقوله : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ).
أى : ائتوا أنتم بمثل ما أتى هو ؛ إذ أنتم وهو سواء فى الجوهر والخلقة واللسان ، ليس هو أولى بذلك منكم ؛ أعنى : فى الاختلاق.
وقوله : (وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ).
أى : استعينوا بآلهتكم الذين تعبدون من دون الله ، حتى تعين لكم على إتيان مثله إن كنتم صادقين فى مقالتكم أنه مختلق مفترى.
ويقال : (وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ). يعنى شعراءكم وخطباءكم ليعينوكم على إتيان مثله.
ويقال : ادعوا شهداءكم من التوراة ، والإنجيل ، والزبور ، وسائر الكتب المنزلة على الرسل السالفة أنه مختلق مفترى.
وقوله : (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا).
يحتمل وجوها :
يحتمل أنهم أقروا على أثر ذلك بالعجز عن إتيان مثله من غير تكلف ولا اشتغال كان منهم لما دفع عزوجل عن أطماعهم إتيان مثله نظما ، ولا اجتهدوا كل جهدهم ، وتكلفوا