كل طاقتهم على إطفاء النور ليخرج قولهم على الصدق بأنه مختلق مفترى ، ويظهر كذب الرسول صلىاللهعليهوسلم : أنه كلام رب العالمين.
فدل إقرارهم بالعجز عن إتيان مثله ، وترك اشتغالهم بذلك : أنه كلام رب العالمين ، منزّل على نبيه ورسوله صلىاللهعليهوسلم.
وقوله : (فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ).
الوقود بالنصب هو الحطب ، وبالرفع هو النّار.
أخبر عزوجل أن حطبها الناس كلما احترقوا أعيدوا وبدّلوا ؛ كقوله : (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها) [النساء : ٥٦].
والحجارة فيه وجهان :
قيل (١) : هى الكبريت.
وقيل : الحجارة بعينها لصلابتها ، وشدتها أشد احتراقا ، وأكثر إحماء.
وقوله : (أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ).
فى الآية دلالة أنها لم تعدّ لغير الكافرين.
وهى تنقض على المعتزلة قولهم حيث خلدوا صاحب الكبيرة فى النار ، ولم يطلقوا له اسم الكفر ، وفى زعمهم أنها أعدت للكافرين أيضا ، وإن كان تعذيب المؤمن بمعاصى يرتكبها ، وأوزار حملها ، وفواحش تعاطاها ؛ وذلك أن الله يعذب من يشاء بما شاء ، وليس إلى الخلق الحكم فى ذلك ؛ لقوله : (وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً) [الكهف : ٢٦].
فإن قالوا : إن أطفال المشركين فى الجنة ، والجنة لم تعدّ لهم ، وإنما أعدت للمؤمنين ، ثم جاز دخول غيرهم فيها وتخليدهم. وكذلك النّار وإن كانت معدة للكافرين ، جاز لغير الكافر التعذيب والتخليد فيها ، كقوله : (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ ...) الآية [آل عمران : ١٠٦] شرط الكفر بعد الإيمان.
ثم من ينشأ على الكفر ، والذى كفر بعد الإيمان سواء فى التخليد ، فكذلك مرتكب الكبيرة ، والكافر ، سواء فى التخليد.
فيقال لهم : إن كل كافر تشهد خلقته على وحدانية ربه ؛ فإذا ترك النظر فى نفسه ، واختار الاعتناد فصار ككفر بعد الإيمان ؛ لأنه لم يكن مؤمنا ثم كفر.
وأما قولهم فى الأطفال ؛ فإنهم إنما خلّدوا الجنة جزاء لهم من ربهم ، ولله أن يعطى
__________________
(١) أخرجه ابن جرير عن ابن مسعود (٥٠٣ ، ٥٠٤ ، ٥٠٧) ، وابن عباس (٥٠٥) ، وابن جريج (٥٠٦).
وانظر الدر المنثور (١ / ٧٨).