لك؟!
أو كيف تحتمل عقولهم عصيانا ـ مع عظم نعمتك عليهم ـ ونحن معاشر الملائكة تأبى علينا العقول ذلك؟!
فقال الله عزوجل : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ).
أى : أمتحنهم مع ما ركب فيهم من الشهوات التى ـ لغلبتها على أنفسهم ـ تعتريهم (١) أنواع الغفلة ، ويصعب عليهم التيقظ ؛ لكثرة الأعداء لهم ، وغلبة الشهوات ؛ فلما عظمت المحنة عليهم يكون منهم ذلك.
وهذا الوجه يخرج على سؤال الحكمة فى خلق من يعصيه.
فأخبر أنه يعلم ما لا تعلمون ؛ إذ بذلك بيان الأولياء والأعداء ، وبيان أن الله لا يخلق من يخلق لحاجته له ، أو لمنفعة له ؛ إذ لو كان كذلك لم يخلق من يخالفه فى الفعل الذى أمر به.
وإنما خلق الخلق بعضهم لبعض عبرا وعظة ؛ فيكون فى عقوبة العصاة ووعيدهم مزجر لغيرهم وموعظة ، ولغير ذلك من الوجوه.
والوجه الآخر : أن يكون المعنى من قوله : (أَتَجْعَلُ فِيها) على الإيجاب ، أى : أنت تفعل ذلك ؛ إذ ليس عليك فى خلق من يعصيك ضرر ، ولا لك فى خلق من يطيعك نفع ، جل ثناؤك ، من أن يكون فعلك لأحد هذين.
وذلك كقوله : (أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ ...) الآية [النور : ٥٠] على إيجاب ذلك ، لا على الاستفهام.
مع ما يحتمل أن الألف زائدة ؛ كقوله : (أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ) [القصص : ١٩] ، وقوله : (أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) [فصلت : ٩] بمعنى : إنكم وتريد (٢) ، وذلك يرجع إلى الأول.
وقال : ومعنى قوله : (إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ) : أن الله قد كان أخبرهم عن الذين يفسدون ، ولم يكن أعلمهم ما فيهم من الرسل والأخيار ، فهو يعلم ما لا تعلمون من الأخيار فيهم ؛ ولذلك ذكّرهم عند سؤال الإنباء بما أعلمهم من عظيم امتنانه على آدم أن جعله بمعنى نبي إلى الملائكة بما علمهم الأسماء.
ولم يكن بلغ توهمهم أن فى البشر ما يحتاج المخلوقون من النور ـ الذى هو سبب
__________________
(١) فى أ : تغيرهم.
(٢) فى أ : تريدون.