رفع الأستار عن الأشياء ، وجلاء الأشياء به ـ ثم يحتاجون فى اقتباس العلم إلى من هو من جوهر التراب والماء الذى هو أصل الستر والظلمة.
فأراهم الله بذلك ليعلموا أن ليس طريق المعرفة ، والعلم بالأشياء الخلقة ، ولكن لطف الله وامتنانه ، ولا قوة إلا بالله.
وقال قوم : كان منهم من استحق العتاب من طريق الخطر بالقلوب ، لا من طريق الزّلة ـ التى هى العصيان ـ ولكنهم يعاتبون على أمثال ذلك ـ وإن لم تبلغ بهم المعصية ـ لعلوّ شأنهم ، ولعظم قدرهم.
كما قد عاتب الله نبيه صلىاللهعليهوسلم فى أشياء وإن لم يكن ذلك منه معصية ؛ كقوله تعالى : (عَفَا اللهُ عَنْكَ ...) الآية [التوبة : ٤٣].
وقوله : (وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ) [النساء : ١٠٧].
وقوله : (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ ...) الآية [الأحزاب : ٣٧]. ولم يكن إثم فى ذلك ، وقال : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ ...) الآية [أول سورة التحريم] ؛ [لأنه](١) من غير أن كان منه عصيان ؛ فمثل ذلك أمر الملائكة.
ثم تكلموا فى معنى ذلك :
فمنهم من يقول : ظنوا أنهم أكرم الخلق على الله ، وأنه لا يفضّل أحدا عليهم.
ومنهم من يقول : ظنوا أنهم أعلم من جميع من يخلق من جوهر النار أو التراب ؛ من حيث ذكرت من جوهرهم ، أو لعظم عبادتهم لله ، وعلمهم بأن فى الجن والإنس عصاة ؛ فلهذا امتحنهم بالعلم ، ثم بالسجود ؛ لإظهار علو البشر وشرفه ، وعظم ما أكرموا به من العلم.
ومنهم من [يقول : ظنوا أنهم فضلوا بفعلهم :](٢)(نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ).
وقوله : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً).
قال قوم (٣) : يريد به آدم عليهالسلام ، يخلف الملائكة فى الأرض ومن تقدمه من الجان.
وذلك بعيد ؛ كأنهم قالوا : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) ولم يكن آدم ـ عليهالسلام ـ بالذى كان يفسد فى الأرض ، ويسفك الدماء ، بل كان يسبح بحمده ويقدس له.
__________________
(١) سقط فى ط.
(٢) فى ط : قالوا : بقوله.
(٣) انظر : تفسير البغوى (١ / ٦٠).