ولكن يحتمل : أن يريد آدم وولده (١) ـ إلى يوم القيامة ـ أن يجعل بعضهم خلفاء لبعض ؛ كقوله : (وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ) [النمل : ٦٢] ، أو يجعلهم خلفاء من ذكروا ، إن صح الذى قالوا.
وجائز أن يكونوا على وجه الأرض ، إذ هى مخلوقة لهم قرارا ومهادا ومعادا ، وهم جعلوا سكانها وعمّارها ـ أن يكونوا خلفاء ، فى إظهار أحكام الله تعالى ودينه ، كقوله لداود عليهالسلام : (إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ) [ص : ٢٦] فجعله كذلك ليحكم بين أهلها بحكم الله ولا يتبع الهوى ، وبذلك أمر بنو آدم.
وقوله : (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ).
قيل : بأمرك.
وقيل : بمعرفتك.
وقيل (٢) : بالثناء عليك ؛ إذ كانوا أضافوا ذلك إلى أنفسهم دون أن يذكروا عظيم منّة الله عليهم بذلك ، واختصاصه إياهم بالتوفيق له ؛ إذ كيف ذكروا من نعوت البشر شرّ ما فيهم ، دون أن يحمدوا الله ـ بما وفقوا له ـ أو يدعوا للبشر بالعصمة والمغفرة مما ابتلوا.
ولذلك ـ والله أعلم ـ صرفوا شغلهم من بعد إلى الاستغفار لمن فى الأرض ، ونصر أولياء الله ، ولا قوة إلا بالله.
ومن الناس من أخبر فى ذلك : أن إبليس سألهم : لو فضّل آدم عليهم ، وأمروا بالطاعة له ما يصنعون؟
فأظهر الله عزوجل أنه علم ما كتم إبليس من العصيان ، وما أظهروا هم من الطاعة.
وهذا شىء لا يعلم حقيقته ؛ لأن المعاتبة كانت فى جملة الملائكة ، والمخاطبة بالإنباء ، وما ألحق به وأمر بالسجود وكان فى غيره.
ولم يحتمل أن يكونوا يؤاخذون بسؤال إبليس اللعين.
ولكن يحتمل وجوه العتاب الإخبار فيما لم يبلغوا العصيان ، والله الموفق.
وقوله : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ).
يحتمل : أن يكون علم لهم.
ويحتمل : أن يكون علّم بإرسال ملك من غير الذين امتحنوا به. وفى ذلك تثبيت أحد وجهين :
__________________
(١) قاله ابن سابط ، أخرجه ابن جرير عنه (٦٠٣).
(٢) انظر تفسير البغوى (١ / ٦١).