الآية [التحريم : ٦].
وقال : (لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ ...) الآية [الأنبياء : ٢٧].
وقال : (لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ ...) الآية [الأنبياء : ١٩].
وصف الله تعالى طاعتهم له ، وائتمارهم إياه ؛ فلو كان اللعين الرجيم منهم لأطاعه كما أطاعوه.
والثانى : قوله : (خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) [الأعراف : ١٢] والملائكة إنما خلقوا من النور.
والثالث : قوله تعالى : (كانَ مِنَ الْجِنِ) [الكهف : ٥٠] ولم يقل من الملائكة فدلّ هذه الآيات أنه لم يكن من الملائكة.
ثم قال فى قوله : (فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) : إنه قد يجوز الاستثناء من غير نوع المستثنى منه ؛ نحو ما يقال : دخل أهل الكوفة هذه الدار إلا رجلا من أهل المدينة. وذلك جائز فى اللغة.
ويستدل بالاستثناء أن الأمر كان عليهم جميعا فى الأصل ، وكان الأمر بالسجود له وللملائكة جميعا ؛ كقوله : (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) [البقرة : ١٩٩] دل أن كان هنالك أمر للناس بالإفاضة ، فكذلك الأول ، والله أعلم.
وذهب من قال : إنه من الملائكة ، أنه لما لم يذكر فى قصة من القصص ـ مع كثرة التكرار لها فى القرآن ، وغيره من الكتب السالفة ـ أنه ليس منهم ، وليس فيما ذكر من الآيات ما يدل على أنه لم يكن منهم ؛ لأن قوله : (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) [التحريم : ٦] لو لم يتوهم منهم العصيان والخلاف لله تعالى لم يكن للمدح بالطاعة والخضوع له معنى.
ألا ترى إلى قوله : (وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ ...) الآية [الأنبياء : ٢٩] مع ما ذكرنا : أنهم يمتحنون بأنواع المحن ، وكل ممتحن فى شىء يجوز كون المعصية منه والخلاف لديه.
وأما قوله : (كانَ مِنَ الْجِنِ) [الكهف : ٥٠] أى صار من الجن.
وقيل (١) : الجنّ أراد به الملائكة ؛ سمّوا جنّا لاستتارهم عن الأبصار ؛ كقوله : (وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ) [النجم : ٣٢].
وأما قوله خلق الملائكة من النّور ، وإبليس من النار ـ فهو واحد ؛ لأنه أخبر ـ عز
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٦٩٥) عن ابن إسحاق.