جهة الإيثار ، ولكن إشفاقا عليه ورحمة.
ويحتمل أيضا النهى عن التناول من الشىء على جهة الحرمة ، فإذا كان ممكنا هذا محتملا حمل آدم وحواء على التناول منها لما اشتبه عليهما ، ولم يعرفا معنى النهى بأنه نهى حرمة ، أو نهى إيثار غيره عليهما ، أو نهى داء ؛ لأنهما لو كانا يعلمان أن ذلك النهى نهى حرمة لكانا لا يأتيان ولا يتناولان ، وبالله التوفيق.
ثم فى الآية دلالة على أن الحال التى يكون فيه الإنسان فى سعة ورغد يشتد على الشيطان اللعين ؛ لأنه إنما تعرض لآدم وحواء بالوسوسة التى وسوس إليهما ليزيل تلك الحال عنهما.
وإنما يبلى بالسعة ، والرخاء ثم لما لحقته من الشدائد والبلايا مما كسبت أيدينا ؛ لقوله : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) [الشورى : ٣٠].
ثم الآية ترد على بعض المتقشفة قولهم بتحريم الطيبات والزينة.
وقوله : (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ).
أى : الضّارّين (١) ؛ لأن كل ظالم ضارّ نفسه فى الدارين جميعا.
وقوله : (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها).
أى : دعاهما ، وزين لهما إلى سبب الزلة والإخراج عنها ، لا أن تولى إخراجهما وإزلالهما.
وقد ذكرنا أن الأشياء تسمى باسم أسبابها ، أو الأسباب باسم الأشياء. وذلك ظاهر معروف فى اللغة ، غير ممتنع تسمية الشىء باسم سببه.
ثم تكلموا فيما أصاب آدم من الشجرة ، وفى جهة النهى عنها :
فقال قوم : أكل منها وهو ناس لعهد الله نسيان ترك الذكر.
وأبى ذلك قوم
واحتج الحسن بأن نسيانه نسيان تضييع واتباع الهوى ، لا نسيان الذكر بأوجه :
أحدها : ما جرى فى حكم الله ـ تعالى ـ من العفو عن النسيان الذى هو ترك الذكر ، وألا يلحق صاحبه اسم العصيان ، وقد عوقب هو به ، ونسب إلى العصيان بقوله : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) [طه : ١٢١] مع ما تقدم القول فيه أن يكونا من الظالمين.
والثانى : أنّ عدوّه قد ذكّره لو كان ناسيا ؛ حيث قال : (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ ...) الآية [الأعراف : ٢٠].
__________________
(١) ذكره البغوى فى تفسيره (١ / ٦٣).