وقوله : (وَقاسَمَهُما) [الأعراف : ٢١].
وقوله : (فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ) [الأعراف : ٢٢].
ولو كان نسيان الذكر لم يكونا ليغترا بالقسم والإغواء عن ذلك ، ولا وصفا بأن استزلهما الشيطان ونحو ذلك.
فثبت أنه كان نسيان تضييع ، وذلك كقوله : (وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى) [طه : ١٢٦] ، وقوله : (فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا) [الأعراف : ٥١] ، وغير ذلك مما ذكر فيه النسيان ومعناه التضييع ، سمى به لما كان كل منسىّ متروكا ، وترك اللازم تضييع ، أو بما ينسى به ويغفل عما يحل به من نعمة الله ، فسمى به كما وصف ذنب المؤمن بجهالة الجهلة بما يحل به لا بجهله بحقيقة فعله.
أو سمى به من حيث لا يقصد بذلك عصيان الرب أو طاعة الشيطان.
وإلى ذلك يصرف بعض وجوه النسيان ، لا حقيقته.
ومن يقول : بأنه كان على النسيان فهو يخرّج النسيان على وجوه :
أحدها : أنه لكثرة ما كان بينه ، وبين عدوه من التراجع اشتغل قلبه بوجوه الدفاع له ، والفكر فى الأسباب التى بها نجاته ، ويتخلص من مكايده ، حتى أنساه ذلك ذكر العهد.
والسبب الذى يدفع الأشياء عن الأوهام فى الشاهد كثرة الاشتغال ، وإنما كان النسيان عدوّا فى الأمور وسببا للعفو ؛ لأنه لا يخرج الآخذ به عن الحكمة ، وذلك معلوم فى الشاهد ، أن من أقبل على أمر ، وأخذ فى تحفظه وتذكره عمل عليه ذلك ، وإذا أحب ذلك مع الاشتغال بغيره من الأمور صعب عليه ، بل الغالب فى مثله الخفاء.
وجائز معاتبة آدم مع ذلك وتسميته عصيانا بأوجه :
أحدها : أنه لم يكن امتحن بأنواع مختلفة يتعذر عليه وجه الحفظ فى ذلك.
وإنما امتحن بالانتهاء عن شجرة واحدة بالإشارة إليها ؛ فجائز ألا يعذر فى مثله.
وكذلك النسيان فيما يعذر فى الشاهد ، إنما يعذر فى النوع الذى يبلى به ، وتكثر به النوازل.
ألا ترى أنه يعذر بالسلام فى الصلاة (١) ، وترك التسمية فى الذبيحة (٢) ونحو ذلك ، ولا
__________________
(١) السلام على المصلى سنة عند المالكية وجائز عند الحنابلة ، فقد سئل أحمد عن الرجل يدخل على القوم وهم يصلون : أيسلم عليهم؟ قال : نعم.
وأما رد السلام من المصلى فقد ذكر الحنفية ـ كما فى (الهداية) ـ أنه لا يرد السلام بلسانه ؛ لأنه كلام ، ولا بيده ؛ لأنه سلام معنى ، حتى لو صافح بنية التسليم تفسد صلاته. وذكر صاحب (فتح القدير) أن رد المصلى السلام بالإشارة مكروه وبالمصافحة مفسد. ثم إن المصلى لا يلزمه رد ـ