والثانى : أنه جائز أخذ الأخيار ومعاتبة الرسول بالأمر الخفيف اليسير الذى لا يؤخذ بمثل ذلك غيره ؛ لكثرة نعم الله عليهم ، وعظم منّته عندهم ، كما أوعدوا التضاعف فى العذاب على ما كان من غيره.
وعلى ما ذكر فى أمر يونس عليهالسلام من العقوبة بماء لعل ذلك من عظيم خيرات غيره ؛ إذ فارق قومه عما عاين من المناكير فيهم ، وفعل مثله من حد ما يوصف به غيره.
__________________
ـ للصلاة مع ندرته ، واستثنوا من ذلك : الناسى أنه فى الصلاة ، والجاهل بالتحريم لقرب عهده بالإسلام ، أو نشأ ببادية بعيدة عن العلماء فلا تبطل صلاته بالأكل إلا إذا كثر عرفا ، ولا تبطل ما لو جرى ريقه بباقى طعام بين أسنانه وعجز عن تمييزه ومجه كما فى الصوم. وصرحوا : بأنه لو كان بفمه سكرة فذابت فبلع ذوبها عمدا ، مع علمه بالتحريم ، أو تقصيره فى التعلم ـ فإن صلاته تبطل. كما صرحوا ببطلان الصلاة بالمضغ إن كثر ، وإن لم يصل إلى جوفه شىء.
وفرق الحنابلة فى ذلك بين صلاة الفرض والنفل : فصلاة الفرض تبطل بالأكل والشرب عمدا ، قل الأكل أو الشرب أو كثر ؛ لأنه ينافى الصلاة. وأما صلاة النفل فلا تبطل بالأكل والشرب إلا إذا كثر عرفا لقطع الموالاة بين الأركان. قال البهوتى : وهذا رواية ، وعنه أن النفل كالفرض ، قال فى (المبدع) : وبه قال أكثرهم ؛ لأن ما أبطل الفرض أبطل النفل ، كسائر المبطلات. وكل ما سبق فيما إذا كان الأكل والشرب عمدا ، فإن كان سهوا أو جهلا فإنه لا يبطل الصلاة فرضا كانت أو نفلا إذا كان يسيرا ؛ لعموم قوله صلىاللهعليهوسلم : «إن الله وضع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» ولأن تركهما عماد الصوم ، وركنه الأصلى ، فإذا لم يؤثر فى حالة السهو فى الصيام فالصلاة أولى. قالوا : ولا بأس ببلع ما بقى فى فيه من بقايا الطعام من غير مضغ ، أو بقى بين أسنانه من بقايا الطعام بلا مضغ مما يجرى به ريقه وهو اليسير ؛ لأن ذلك لا يسمى أكلا ، وأما ما لا يجرى به ريقه بل يجرى بنفسه ـ وهو ما له جرم ـ فإن الصلاة تبطل ببلعه لعدم مشقة الاحتراز. قال المجد : إذا اقتلع من بين أسنانه ما له جرم وابتلعه بطلت صلاته عندنا ، وصرحوا بأن بلع ما ذاب بفيه من سكّر ونحوه كالأكل.
ينظر : حاشية ابن عابدين (١ / ٤١٨) ، حاشية الدسوقى (١ / ٢٨٩) ، مواهب الجليل (٢ / ٣٦) ، الخرشى على خليل (١ / ٣٣٠) ، نهاية المحتاج (٢ / ٥٢) ، مغنى المحتاج (١ / ٢٠٠) ، شرح روض الطالب (١ / ١٨٥) كشاف القناع (١ / ٣٩٨).
(٢) يحرم على المحرم باتفاق العلماء وإجماع الأمة : الجماع ودواعيه الفعلية أو القولية وقضاء الشهوة بأى طريق. والجماع أشد المحظورات حظرا ؛ لأنه يؤدى إلى فساد النسك. والدليل على تحريم ذلك النص القرآنى : (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ) [البقرة : ١٩٧] ، وفسر الرفث بأنه ما قيل عند النساء من ذكر الجماع وقول الفحش. وثبت ذلك عن ابن عباس ؛ فتكون الآية دليلا على تحريم الجماع على المحرم بطريق دلالة النص ، أى : من باب الأولى ؛ لأنه إذا حرم ما دون الجماع ، كان تحريمه معلوما بطريق الأولى. وفسر الرفث أيضا بذكر إتيان النساء ، من الرجال والنساء إذا ذكروا ذلك بأفواههم. ونقل ذلك عن ابن عمر وبعض التابعين ؛ فتدل الآية على حرمة الجماع لدخوله فى عمومها. كما فسر بالجماع أيضا ، ونسب ذلك إلى جماعة من السلف منهم ابن عباس وابن عمر ؛ فتكون الآية نصا فيه.
ينظر : تفسير ابن كثير (١ / ٢٣٦ ، ٢٣٧).