يجعل فعلهم جبرا ـ ومن فعله جبر لا ترتفع درجته ولا يعلو قدره ، ثم يجعل الفضل لهم بالخلقة ، فكيف كان يطمع فى ذلك ولم يكن هو بخلقتهم.
ولهذا أنكر أن يكون منهم عصيان ؛ إذ خلقوا من نور ، ومن لا يعصى بالخلقة ، فإنه لا يحمد. ولو كان يجب الحمد به لوجب فى كل موات ، وكل حيوان لا يعصى بالخلقة ، وذلك بعيد.
وجائز أن يكون آدم ـ عليهالسلام ـ طمع أن يكونا ملكين ؛ بأن يجعل على ما عليه صنيعهم من العصمة ، أو الاكتفاء بذكر الله وطاعته عن جميع الشهوات.
والله قادر على أن يجعل البشر على ذلك ، وذلك على ما يوجد فيهم من معصوم ومخذول ، ليعلم أن الخلقة لا توجب شيئا مما ذكر ، ولا قوة إلا بالله.
ثم الأصل أن معرفة موت البشر وما عنه خلق كل شىء إنما هو سمعى ، ليس هو حسى ، ولا فى الجوهر دليل الفناء ، ولله أن يميت من شاء ويبقى من شاء.
فقول الحسن ـ إنّه علم ذلك ثبت بثبات الخبر عن الله ـ ينتهى إليه أنه كان بلغه فى ذلك [الوقت](١).
وكذلك أمر الملائكة ، وحال الإغذاء (٢) ، ومحبة الذّكر ، وظهور العصمة تعرف بالمحبة والمشاهدة بمنها ، ولا قوة إلا بالله.
ثم ذكر الحسن فى خلال ذلك : أن آدم ـ عليهالسلام ـ قد علم أن الملائكة لا يموتون.
لا أدرى ما هذا؟
أهو عقد اعتقد ، أو جرى على لسانه؟ لأن مثله لا يعلم إلا بما لا يرتاب فى ذلك أنه جاء عن الله ، ولا قوة إلا بالله.
وقوله : (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها).
أى : دعاهما وزيّن لهما ، أى : سبب الزّلة والإخراج منها ، لا أن تولى هو إخراجهما وإزلالهما.
وقد ذكرنا أنه قد تسمّى الأشياء باسم أسبابها ، والأسباب باسم الأشياء. وذلك ظاهر معروف فى اللغة ، غير ممتنع تسمية الشىء باسم سببه ، والله أعلم.
وقوله : (فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ) لله [البقرة : ٣٦].
__________________
(١) سقط فى ط.
(٢) فى أ : الأضداد.