من الخصب ، والسّعة ، والنعم التى أنزلهما الله ـ تعالى ـ فيها ، وأباح لهما التناول مما فيه.
ثم اختلف فى وسوسة الشيطان لآدم وحواء ـ عليهماالسلام ـ فيم كان؟ ومن أين كان؟ ولما ذا كان؟.
قيل (١) : إنه كان فى السماء ، فوسوس إليهما من رأس الحيّة ؛ حسدا منه لما رآهما يتقلّبان فى نعم الله ، ويتنعمان فيه ، فاشتد ذلك عليه.
وقيل : إنه كان فى الدنيا فوسوس لهما من بعد ، والله أعلم.
ثم اختلف فى الشيطان : أله سلطان على القلوب؟ أو يوسوس فى صدورهم من بعد؟
فقال بعضهم : له سلطان على القلب ؛ على ما جاء أنه يجرى فى الإنسان بين الجلد واللحم مجرى الدم.
وقيل : إنه لا سلطان له على القلوب ، ولكنه يقذف فيهم من البعد ، ويدعوهم إلى الشر بآثار ترى فى الإنسان من الأحوال ؛ من حال الخير والشر ، وكأن تلك الأحوال ظاهرة من أثر الخير والشر.
فإذا رأى ذلك فعند ذلك يوسوس ، ويدعوه إلى الشر. وعلى ذلك قوله عزوجل : (وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ) [إبراهيم : ٢٢] أخبر أنه لا سلطان له علينا سوى الدعاء لنا وهو لا يشبه ، والله أعلم.
ثم قيل فيمن عصى ربه : أليس قد أطاع الشيطان؟
قيل : بلى.
فإن قيل : فإذا أطاع ألا يكفر؟
قيل : لا ؛ لأنه ليس يقصد قصد طاعة الشيطان ، وإنما يكفر بقصد طاعة الشيطان ، وإن كان فى عصيان الرب طاعته.
وكذلك روى عن أبى حنيفة ـ رضى الله عنه ـ أنه سئل عن ذلك فأجاب بمثل هذا الجواب.
والأصل : أن الفعل الذى يبلى له ليس هو لنفسه فعل الطاعة للشيطان ليصير به مطيعا ، إنما يجعله طاعة القصد بأن يجعله طاعة له ، وقد زال ، وإن سرّ هو به وفرح كما سرّ بزوال السرور عنهما واللذة ، وإن كان ذلك بفعل من لا يجوز وصف من فعل ذلك بطاعة الشيطان ، ولا قوة إلا بالله.
__________________
(١) تقدم.