(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) [النساء : ١٣٦] معناه : آمنوا بالله فى حادث الوقت ؛ لأنه تارك فعل الكفر فى كل وقت ؛ فبترك الكفر يتجدد له الإيمان.
وعلى ذلك : يخرج تأويلنا فى الزيادة بقولهم : زادتهم إيمانا يتجدد له ، ويزداد فى حادث الوقت.
وقال آخرون : كان سؤالهم الإسلام سؤال الثبات عليه والدوام.
وقد ذكرنا أن العصمة لا ترفع خوف الزوال.
ومثل هذا : الدعاء والسؤال ـ على قول المعتزلة ـ يكون عبثا ؛ لأنه لا يملك إعطاء ما سألوا عندهم ، بل هم الذين يملكون ذلك ، فيخرج السؤال فى هذا ـ عندهم ـ مخرج اللعب والعبث ، فنعوذ بالله من السرف فى القول والزيغ عن الهدى.
ثم الإيمان : هو التصديق والتصديق بالقلب يتجدد فى كل وقت ، فلا وقت يخلو القلب عنه فى حال سكون ، أو حال حركة ، والله أعلم.
وقوله : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ).
يحتمل : أن الأمة المسلمة هى أمة محمد صلىاللهعليهوسلم ؛ وذلك : أنّه لم يكن من أولاد إسماعيل رسول سوى محمد صلىاللهعليهوسلم ، فسألا : أن يجعل من ذريتهما رسولا ، وأمة مسلمة ، خالصة له.
وإنما الرسل كانوا من أولاد إسحاق ومن نسله ، والله أعلم.
وقوله : (وَأَرِنا مَناسِكَنا).
وقيل فى قوله : (وَأَرِنا مَناسِكَنا) : يريد الإراءة إلى يوم القيامة ، يدل عليه قراءة عبد الله : «وأرهم مناسكهم» ، وفى قراءة غيره (١) على ضم الرؤية إلى نفسه.
والمنسك : هو القربة. وأفعال الحج سميت (٢) مناسكا.
ثم لا يحتمل : أن يسألا ذلك ، من غير أمر سبق منه ـ عزوجل ـ بذلك ؛ لأنه ليس من الحكمة سؤال : إيجاب فضل عبادة ، أو قربة بغير أمر ؛ فدل أنه قد سبق منه بذلك أمر ، لكنه لم يبين لهما ، فسألا : تعليم ماهيتها وكيفيتها ، فعلمهما جبريل ذلك.
ففيه : دلالة تأخير البيان عن (٣) وقت قرع السمع الخطاب ؛ ألا ترى أنه أمر بالنداء للحج ولم يعلم.
والثانى : أن آدم والملائكة قد كانوا حجوا هذا البيت قبل إبراهيم ـ عليهالسلام ـ فدل
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط (١ / ٣٩٠) ، والكشاف (١ / ٩٤) ، ومعانى القرآن للفراء (١ / ٧٩).
(٢) فى ط : سمى.
(٣) فى ط : من.