قال عمر ـ رضى الله عنه ـ : «علام أهز كتفى ، وليس أحد إزاءه؟! لكنى أتبع رسول الله ، عليهالسلام» أو كما قال ، رحمهالله.
وقد ذكر ذلك فى قصة إبراهيم عليهالسلام : أنه رمل ، ولم يكن فى وقته من كان الفعل لأجله ، وكذلك غيره من الأنبياء ، صلى الله عليهم وسلم.
إلا أنّا نقول : جعل الله كذلك ؛ لعلمه بالحاجة إلى ذلك فى وقت قد جعل ذلك نسكا ، فحفظ ذلك على حق النسك ، وإن لم يكن المعنى مقارنا له فى كل وقت ، على ما قيل : «إن صلة الرحم تزيد فى العمر» (١) ـ بمعنى جعل الله أجله ذلك بما علم أنه يصل الرحم ـ فيكون صرف العمر إلى تلك المدة لذلك.
وكما يكتب شقيّا أو سعيدا فى الأزل للوقت الذى فيه يكون كذلك ، ونحو ذلك ، والله الموفق.
ثم الأصل : أن الله ـ جل ثناؤه ـ جعل على عباده فى كل الأنواع التى يتقلب فيها البشر للمعاش ، أو لأنواع اللذات ؛ لتكون العبادة منهم فى كل نوع مقابل ما يختار صاحب ذلك شكرا لما مكن من مثله ، لما يتلذذ به ويتعيش ؛ إذ كل لذة ، وكل ما يتعيش به نعمة خصّ الله بها صاحبها ، بلا تقدّم سبب يستوجبها العبد ؛ فلزمه ـ فى الحكمة ـ الشكر لمن أسدى إليه تلك النعمة.
وعلى ذلك : نجد التقلب ـ من حال القيام ، إلى حال القعود ، والاضطجاع ـ أمرا عامّا فى البشر ، من أنواع اللذات ، فمثله يكون العبادة بذلك النوع عامة ، نحو الصلوات.
وعلى ذلك : معنى الرق ، والعبودة لازم لا يفارق ، فمثله الاعتراف به ، والاعتقاد دائم لا محالة لا يخلو منه وقت.
وعلى ذلك : أمر إعطاء النفس شهواتها ، من المطاعم ونحو ذلك ؛ لا يعم الأوقات عموم التقلب من حال إلى حال ؛ إذ لا يخلو عنها المرء وإن كانت مختلفة. فجعلت عبادة الصيام فى خاص الأوقات.
ثم لم يمتد ما بين الأوقات امتدادا متراخيا ، فعلى ذلك : جعل العفو عن الصيام ، لم يجعل كذلك ، بل فى سنة ، مع ما قد يدخل الصيام فى كثير من الأمور.
ثم للناس فى الأموال معاش ، وبها تلذذ :
لكن منها قوت لا بد منه ؛ فالارتفاق بمثله لازم ، لا يحتمل جعل القربة فيه ، سوى أن جعل ذلك لعينه قربة ؛ إذ فرض على المرء الاستمتاع به.
__________________
(١) تقدم.