وقد أوجب فى الأموال فى كل سنة (١) ؛ لأن أرباب الأموال قد يتقلبون فى البلاد النائية رغبة فى فضول اللذات ؛ فلذلك يجوز فرض مثل ذلك.
وعلى ذلك أمر الجهاد ـ على أن الجهاد كالذى لا بد من الأقوات ـ إذ فى ترك ذلك خوف غلبة الأعداء ، وفيها تلف الأبدان والأديان ، والأموال ففرض على قدر ما فرض من الأقوات ؛ لما بينت من الخلل ، ثم كانت أحوال أهل السفر تكون على غير المعروف من أحوال المقيمين ـ فى حق الرّزانة والوقار ، وحق الانبساط والنشاط ـ فعلى ذلك : فرائض الأمرين ـ نحو الجهاد ـ فيه أنواع : ما عدّ فى غيره من اللعب ، وكذلك أمر الحج. وعلى مثل هذا يخرج رمى الجمار والرمل والسعى ونحو ذلك.
فجعل ذلك فى حق الأسفار سنّة ، وإن كان مثل ذلك عدّ فى غير ذلك عبثا ؛ إذ قد بينا مخرج العبادات ، على ما عليه أحوال العباد بأنفسهم ، لو لا العبادات ، والله أعلم.
ثم جعل ذلك فى أمكنة متباعدة الأطراف ؛ إذ هو بحق أمر الأسفار يجب فى المعهود ؛ فجعل فى النسك ، بنفسه بالذى به يقطع الأسفار ، ولا قوة إلا بالله.
ووجه آخر : من المعتبرات : أن العبادات جعلت أنواعا :
منها ما يبلغ القيام بحقها العام فصاعدا ، وهذه لم يجز أن يجعل وقتها ينقص عن احتمال فعلها. ولا وقت من طريق الإشارة أجمع لمختلف الأحوال بعد سقوط اعتبار العمر من السنة.
ثم لأن فعل الحج قد يمتد ذلك ، ويجاوز ، لم يجعل ذلك وقتا له ، وإنما جعل العمر ، لما كان لا وقت يشار إليه إلا وجميع ما فيه مما يحتمله العام الآخر ، وما تقدمه وما تأخره ، ثم فى العمر أحوال ، لا تحتمل إضافتها إلى الأعوام ؛ لأن ما يضاف إلى عام
__________________
(١) وذلك بأن يتم على المال بيد صاحبه سنة كاملة قمرية ، فإن لم تتم فلا زكاة فيه ، إلا أن يكون بيده مال آخر بلغ نصابا قد انعقد حوله ، وكان المالان مما يضم أحدهما إلى الآخر ، فيرى بعض الفقهاء ، أن الثانى يزكى مع الأول عند تمام حول الأول ، ودليل اعتبار الحول قول النبى صلىاللهعليهوسلم : «لا زكاة فى مال حتى يحول عليه الحول». ويستثنى من اشتراط الحول فى الأموال الزكوية : الخارج من الأرض من الغلال الزراعية ، والمعادن ، والركاز ، فتجب الزكاة فى هذين النوعين ولو لم يحل الحول ؛ لقوله تعالى فى الزروع : (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) ، ولأنها نماء بنفسها فلم يشترط فيها الحول ، إذ إنها تعود بعد ذلك إلى النقص ، بخلاف ما يشترط فيه الحول فهو مرصد للنماء.
والحكمة فى أن ما أرصد للنماء اعتبر له الحول ؛ ليكون إخراج الزكاة من النماء لأنه أيسر ؛ لأن الزكاة إنما وجبت مواساة ، ولم يعتبر حقيقة النماء ؛ لأنه لا ضابطه له ، ولا بد من ضابط ، فاعتبر الحول.
ينظر : المغنى (٢ / ٦٢٥) ، الشرح الكبير للدردير (١ / ٤٥٦ ، ٤٥٧).