فذلك لكل عام. وليس ما يضاف إلى العمر موجودا بحق الأعوام. فجعل ذلك وقته ، والله أعلم.
ثم الزكاة (١) هى تجب للأموال ؛ صونا لها ؛ لكسب عدد ، وفضل غنى ، ولكن على ذلك تكتب لأحوال الحياة لا لما يخلف ؛ فلم يمتد أمرها إلى العمر ؛ على أنها جعلت حقّا للفقراء. ومتى أريد جعل الوقت له العمر يصير لغيره ، ويجب فيه ما يجب فى الأول ؛ فتبطل الزكاة ويبقى الفقراء بلا عيش ؛ إذ الله ـ بفضله ـ قدر أقوات الخلق ، ثم فضل الخلق فى الأملاك ، حتى كان بعضهم بحيث لا يملك شيئا ، وبعضهم يجاوز ما ينال أضعاف عمره.
ثبت أن ذلك له بما يقتضى به كفاية الفقراء ؛ فلا بد أن يجعل لذلك مدة يتوسع فى ذلك الفريقان جميعا.
ثم كانت الأقوات ـ التى هى مجهولة للخلق جميعا ـ تتجدد فى كل عام على ذلك ؛ إذ جعلت أقوات الفقراء فى أموال الأغنياء ، جعلت فى كل عام.
على أنه إذ جعلت أقوات الخلق فى بركات السماء والأرض ، جعلها الله متجددة بتجدد الأعوام ، ولا قوة إلا بالله.
والصلاة والصيام عبادتان تلزم قوى الأبدان ، فعلى ما يختلف قواهما ، اختلف فى الأمر بهما والترك ، وفى أنواع الرخص.
لكن الصلاة ليس فيها مكابدة الشهوات ، ولا مدافعة اللذات ؛ إذ لا سبيل إلى مثلها متتابعا لما يصير اللذة ألما ، والشهوة وجعا ؛ فيبطل حق التتابع ، وقدر المفروض من الصلوات لا يشتغل عما يقوم بها النفس.
والصيام يضاد ذلك ، ويضر فى البدن.
فجعل عبادة الصلوات فى كل يوم ، وعبادة الصيام فى أوقات متراخية ؛ إذ هى تضاد معنى المجعول له الأغذية بين إقامة الأبدان ، وفى الصيام خوف فنائها ؛ لذلك استعين بطول الاغتذاء على أوقات الصيام ، ولا قوة إلا بالله.
وإن شئت قلت : إن الله أنعم على البشر بما هو غذاء وقوام ، وبما هو لذة وشهوة ، ثم أنعم عليهم بما هو لهم به رفعة وجاه عند الخلق ـ وهى الأموال ـ فألزمهم فى كل نوع من هذه الأنواع عبادات.
__________________
(١) فى أ : الزكوات.