وعلى ذلك : وقع كل نوع منها لفوت النعمة ، التى هى المرغوبة المختارة فى الطبيعة ، وإلى ما يدوم تلك يدعو العقل ببذل ما ينقطع منه ، ثم جعلت قوى النفس بشهواتها ، ونعم الأموال بأنواع الكد والجهد.
فعلى ذلك : خفف حقوق الأموال ؛ فلم يجعل إلا فى الفضل الذى لا اختيار لهم ألا يبلغوا بالجهد ذلك ، ففى ذلك جعلت الحقوق على ما يحتمل الوسع لهم من الترتيب ، مع اليسر الذى أخبر الله أنه يريد بهم ذلك ، لا العسر ، والله أعلم.
وقوله : (وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ).
دل سؤال التوبة أن الأنبياء ـ عليهمالسلام ـ قد يكون منهم الزلات والعثرات ، على غير قصد منهم.
ثم فيه الدليل على أن العبد قد يسأل عن زلة لم يتعمدها ولم يقصدها ؛ لأنهم سألوا التوبة مجملا. ولو كان سبق منهم شىء علموا به وعرفوه لذكروه ؛ فدل سؤالهم التوبة مجملا على أن العبد مسئول عن زلات لم يتعمدها.
وقوله : (رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ).
يحتمل وجوها :
يحتمل (رَسُولاً مِنْهُمْ) : من المسلمين ؛ لأنه أخبر أن عهده لا يناله الظالم.
ويحتمل (رَسُولاً مِنْهُمْ) : من جنسهم ، من البشر ؛ لأنه أقرب إلى المعرفة والصدق ممن كان من غير جنسهم ، كقوله تعالى : (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً ...) الآية [الأنعام : ٩].
ويحتمل (رَسُولاً مِنْهُمْ) : أى من قومهم ، ومن جنسهم ، وبلسانهم ، لا من غيرهم ، ولا بغير لسانهم ـ والله أعلم ـ كقوله : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ) [التوبة : ١٢٨].
وقوله : (يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ).
قيل : الآيات هى الحجج.
وقيل : الآيات هى الدين.
ويحتمل : يدعوهم إلى توحيدك ، والله أعلم.
وقوله : (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ).
يعنى القرآن : ما أمرهم به ، ونهاهم عنه ، ونحو ذلك.
وقوله : (وَالْحِكْمَةَ)