__________________
ـ شروط إباحة الميتة ونحوها للمضطر :
إن الفقهاء فى كلامهم عن الاضطرار وأحكامه الاستثنائية لم يجمعوا شروط إباحة الميتة وغيرها من المحرمات لمضطر تحت عنوان خاص بالشروط ، بل يجدها المتتبع مفرقة فى خلال المسائل والأحكام. ويستخلص من كلامهم عن حالات الاضطرار وأحكامها أن الشروط الشرعية التى يشترطها فقهاء المذاهب لإباحة المحرمات للمضطر نوعان : شروط عامة متفق عليها بين المذاهب لجميع أحوال الاضطرار ، وشروط عامة اشترطتها بعض المذاهب دون سواها. وفيما يلى بيان ذلك :
أولا ـ الشروط العامة المتفق عليها :
يشترط فى إباحة الميتة ونحوها للمضطر بوجه عام ثلاثة شروط : الأول ـ ألا يجد طعاما حلالا ولو لقمة ، فإن وجدها وجب تقديمها ، فإن لم تغنه حل له المحرم.
الثانى ـ ألا يكون قد أشرف على الموت بحيث لا ينفعه تناول الطعام ، فإن انتهى إلى هذه الحالة لم يحل له المحرم.
الثالث ـ ألا يجد مال مسلم أو ذمى من الأطعمة الحلال ، وفى هذا الشرط بعض تفصيل بيانه فيما يلى :
قال الحنفية : لو خاف المضطر الموت جوعا ، ومع رفيقه طعام ليس مضطرا إليه فللمضطر أن يأخذ بالقيمة منه قدر ما يسد جوعته ، فإن لم يكن معه ما يؤدى به القيمة حالا لزمته دينا فى ذمته. وإنما تلزمه القيمة ؛ لأن من القواعد العامة المقررة عندهم : أن الاضطرار لا يبطل حق الغير. وكذا يأخذ من الماء الذى لغيره ما يدفع العطش ، فإن منعه صاحبه قاتله المضطر بلا سلاح ؛ لأن الرفيق المانع فى هذه الحال ظالم. فإن خاف الرفيق جوعا أو عطشا ترك له بعضه. ولا يحل له أن يدفع الجوع أو العطش بالمحرمات كالميتة والخمر مع وجود حلال مملوك لغيره ليس مضطرا إليه ، والمضطر قادر على أخذه ولو بالقوة. وجوز المالكية فى هذه الحال مقاتلة صاحب الطعام بالسلاح بعد الإنذار ، بأن يعلمه المضطر أنه مضطر ، وأنه إن لم يعطه قاتله ، فإن قتله بعد ذلك فدمه هدر ؛ لوجوب بذل طعامه للمضطر ، وإن قتله الآخر فعليه القصاص.
وقال الشافعية والحنابلة : لو وجد المضطر طعاما لغيره ، فإن كان صاحبه غائبا ولم يجد المضطر سواه ، أكل منه وغرم عند قدرته مثله إن كان مثليا ، وقيمته إن كان قيميا ؛ حفظا لحق المالك. فإن كان صاحبه حاضرا ، فإن كان ذلك الحاضر مضطرا أيضا لم يلزمه بذله للأول إن لم يفضل عنه ، بل هو أولى ؛ لحديث : «ابدأ بنفسك ...» ، لكن يجوز له إيثاره على نفسه إن كان الأول مسلما معصوما ، واستطاع الثانى الصبر على التضييق على نفسه. فإن فضل بعد سد رمقه شىء لزمه بذله للأول. وإن لم يكن صاحب الطعام الحاضر مضطرا لزمه إطعام المضطر. فإن منعه ، أو طلب زيادة على ثمن المثل بمقدار كثير جاز للمضطر قهره ، وإن أدى إلى قتله ، ويكون دم المانع حينئذ مهدرا. وإن قتل المالك المضطر فى الدفع عن طعامه لزمه القصاص. وإن منع المالك الطعام عن المضطر فمات هذا جوعا لم يضمنه المانع بقصاص ولا دية ؛ لأنه لم يحدث فعلا مهلكا. فإن لم يمنع المالك الطعام ، ولكن طلب ثمنا ، ولو بزيادة على ثمن المثل بمقدار يسير لزم المضطر قبوله به ، ولم يجز له قهره. ولو أطعمه ولم يذكر عوضا فلا عوض له على الأرجح ؛ حملا له على المسامحة المعتادة فى الطعام ، ولا سيما فى حق المضطر. وقيل : يلزمه ـ