قال بعضهم : عينها حلال ليس بمحرم.
وقال آخرون : عينها محرمة لكن التناول منها مباح. وهو قول أصحابنا رحمهمالله.
فمن قال بحل عينها للضرورة ذهب إلى أن الحظر والإباحة لا يقع فى الأصل لعين الشىء ، ولا يتكلم فيها بحل ولا حرمة بحيث العين ، بل الحرمة والحل هى الواردة عليها ، موجبة حق الحرمة ، ثم الحرمة ترتفع بالضرورة. فيبقى عينه على ما كان فى الأصل.
ومن قال بحرمة عينها وبحل التناول منها ذهب إلى أن الحرمة حدثت لما كانت ميتة ومهلّا لغير وجه الله. فحدوث الحل للضرورة يدل على أن العلة كانت هى الضرورة فى حق رفع حرمة التناول ، ولم ترفع حرمة عينها إلا أنه أبيح التناول منها للضرورة على بقاء الحرمة. ولكن يجب ألا يتكلم فى هذا ومثله بحرمة العين وحلها بعد أن تكون الإباحة للضرورة ؛ إذ لله أن يحل عينا محرمة فى حال الاضطرار ، وله أن يحرم عينها ويحل التناول منها للاضطرار. فالتكلم فيه فضل وتكلف. وبالله التوفيق.
__________________
ـ ثمن المثل ؛ لأنه خلص من الهلاك بذلك فيرجع عليه بالبدل ، فإن اختلفا فى ذكر العوض صدق المالك بيمينه ؛ إذ لو لم يصدق لرغب الناس عن إطعام المضطر ، وأفضى ذلك إلى الضرر.
ثانيا ـ الشروط العامة المختلف فيها :
اختلف فقهاء المذاهب فى بعض الشرائط المبيحة لأكل الميتة ونحوها من المحرمات للمضطر : فاشترط الشافعية أن يكون المضطر نفسه معصوم الدم. فإن كان المضطر مهدر الدم شرعا كالحربى ، والمرتد ، وتارك الصلاة الذى استوجب القتل ، لم يجز له أكل المحرمات من ميتة أو غيرها إلا إذا تاب. أما مهدر الدم الذى لا تفيد توبته عصمة دمه : كالزانى المحصن ، والقاتل فى قطع الطريق الذى قدر عليه الحاكم ، فقيل : لا يأكل الميتة حتى يتوب وإن لم تكن توبته مفيدة لعصمته. وقيل : لا يتوقف حل الميتة له على توبته.
واشترط الشافعية والحنابلة ألا يكون المضطر عاصيا بسفره أو بإقامته. فإن كان كذلك لم يحل له تناول الميتة ونحوها حتى يتوب. والعاصى بسفره أو بإقامته هو الذى نوى بسفره أو إقامته المعصية ، أى : هو الذى سافر أو أقام لأجل المعصية ، كمن خرج من بلده ناويا قطع الطريق ، وكذا الذى قصد بسفره أو إقامته أمورا مباحة ثم قلبه معصية : كمن سافر أو أقام للتجارة ثم بدا له أن يجعل السفر أو الإقامة لقطع الطريق. وأما العاصى فى أثناء السفر ـ وهو من سافر سفرا مباحا ، وفى أثناء سفره عصى بتأخير الصلاة عن وقتها ، أو بالزنى وهو غير محصن ، أو بالسرقة أو نحو ذلك ـ فلا يتوقف حل أكله للميتة ونحوها على توبته. ومثله العاصى فى إقامته ، كمن كان مقيما فى بلده لغرض مباح ، وعصى فيها بنحو ما سبق ، فإنه يباح له الأكل من المحرم إن اضطر إليه من غير توقف على التوبة. والوجه لمنع المسافر سفر معصية أن أكل الميتة رخصة ، والعاصى بسفره أو إقامته ليس من أهلها ، وأيضا فى الأكل المذكور عون على المعصية فلا يجوز.
أما الحنفية والمالكية ، فقالوا : لا يشترط فى المضطر عدم المعصية ، لإطلاق النصوص وعمومها.
ينظر : أحكام القرآن للجصاص (١ / ١٥٠) ، والمحلى لابن حزم (٧ / ٤٢٦) ، وحاشية ابن عابدين (٥ / ٢١٥ ، ٢٦٥) ، والشرح الصغير مع حاشية الصاوى (١ / ٣٢٣).